TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

نشر في: 28 نوفمبر, 2024: 12:04 ص

 علاء المفرجي

بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن الاخرى معها؟
وامام الالتباس في هذا العنوان وأعني به (بغداد والسينما).. كان لزاماً عليَّ ان اختار انا شكل هذه العلاقة، بالطريقة التي اعشق فيها السينما كخيار مهني.. والطريقة التي أُقدس بها بغداد انا ابن كرخها.. فعمدت ان اطرق اكثر من شكل لهذه العلاقة، اشكال ارى انها تشير الى المكان والفن.. بغداد والسينما.. هي ليست على اية حال اشكال اخترعها، بل هي اشكال اقترحها.. عسى ان تفلح بتجسير هذه العلاقة.. واستميحكم عذراً ان لمستم انني في ورقتي اُفرط في ابراز ذاتي في موضوع ربما يبدو عاماً.
تختزن ذاكرة البغداديين للسينما (افلاماً، وعروضاً وقاعات) تقاليد وطقوسا، لا اُغالي ان قلت انها لا يمكن ان تكون إلا في بغداد.. ذلك أن قدر هذه المدينة ان تكون متضررة في كل شيء.. فبغداد تعاطت مع هذا بشكل مختلف تماماً عن غيرها.
لم تحضر بغداد في السينما، كبطولة مكان.. او كموضوع متكامل.. فبعد أكثر من ستة عقود وأكثر من مئة فيلم بقليل، لم تحضَ بغداد كمكان في الأفلام العراقية بالأهمية التي نتمنى واقتصر حضورها كديكور خلفي يمكن الاستغناء عنه بمكان آخر.. بمعنى انه كمكان لم يتداخل وموضع الفيلم.. مثلما لم تنفعل الشخصيات والأحداث بالمكان.. الذي يمارس بدوره تأثيراً بوصفه شخصية لها أبعادها وامتداداتها الاجتماعية والثقافية، بالشخصية أو الحدث.
وباستعراض سريع للأفلام العراقية سنجد انه حتى هذا الحضور السلبي بمعنى غير المؤثر لم تتوافر عليه الغالبية العظمى من الأفلام العراقية، حتى تلك التي تدور أحداثها في هذه المدينة..
وكان يمكن لبغداد كمكان ان تأخذ حقها السينمائي إن صحت التسمية بالطريقة التي خضعت بها روما لموشور فيلليني من خلال عدد من أفلامه وربما في أكثر أفلامه.. حيث ينجلي التاريخ تارة، والعلاقات الاجتماعية تارة أخرى.. بل وحتى جغرافية المدينة وشواخصها التاريخية.. او كما أخذت نيويورك من اهتمام مخرج عبقري آخر هو سكورسيزي..
ولكن لم ينل مخرج سينمائي شرف ان يحفر في تاريخ بغداد او يبرز سحنة أبنائها.. او يقف عند نسيجها الاجتماعي او يستنطق شواخصها او يوثـِّق لرموزها.
ونحن نتحدث هنا عن السينما الروائية، ذلك ان السينما الوثائقية حاولت الاقتراب من كل ما ذكرنا.. ولكنها لم تقنعنا جمالياً او فكرياً.. الا باستثناءات قليلة، وربما يحضرني هذا الاستثناء رائعة بسام الوردي ورياض قاسم (حكاية للمدى)، حيث (شواكة) كرخ بغداد رمز من رموزها الشامخة (يحيى جواد) وفي جردة سريعة لبعض الأفلام العراقية على امتداد تاريخ الفيلم العراقي، نستطيع ان نقف على حضور المدينة بشكل ديكوري كما أسلفنا.. فيلم (القاهرة- بغداد) الذي أخرجه أحمد بدرخان بإنتاج مشترك مع مصر صورت مشاهد قليلة منه في بغداد، لكننا في فيلم (مَن المسؤول) المنتج عام 1975 بتوقيع المخرج عبد الجبار توفيق ولي عن رواية للكاتب العراقي الرائد أدمون صبري نقف عند صورة جميلة لبغداد في عقد الخمسينات، تتجلى منها تفاصيل اجتماعية واقتصادية كثيرة.. والأمر ينطبق أيضا على فيلم (سعيد أفندي) للمخرج كاميران حسني.. واختار المخرج الراحل عبد الهادي مبارك تصوير اغلب مشاهد فيلمه (عروس الفرات) عام 1958 في مناطق مختلفة من بغداد..
لكننا مع فيلم (الجابي) للمخرج جعفر علي.. نتعرف على تفاصيل الحياة اليومية في بغداد الستينات، حيث نماذج بشرية مختلفة تلتقي في (باص) للنقل الداخلي.. وهو فيلم حاول التقاط صورة لشكل العلاقات خلال تلك الفترة..
وبسبب موضوع رواية (خمسة أصوات) للروائي الكبير غائب طعمة فرمان، فان فيلمه (المنعطف) الذي أخرجه جعفر علي وكتب السيناريو والحوار له نجيب عربو مع الشاعر صادق الصائغ.. هو أكثر الأفلام العراقية التي تتجلى بها المدينة مكاناً وحدثاً.. فمن خلال الشخصيات الخمس في الفيلم نتعرف على الملامح السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمدينة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بروتوكولات مقهى ريش

العمود الثامن: جيوب نظيفة!!

العمود الثامن: الفشل بامتياز

قناطر: كسل وغباء "رأس المال" العراقي

الديمقراطية..لا تصلح لشعب يحكمه فاسدون

العمود الثامن: القاهرة واستذكار بغداد

 علي حسين تقيم معظم البلدان متاحف لفنونها وحضارتها، ومتاحف اخرى تحتفظ فيها بكنوز الفن العالمي، لكي تذكّر الأجيال القادمة بالذين نثروا ألوانهم وأقاموا النصب المرمرية، لأن الذاكرة البشرية بحاجة إلى تذكّر ان التاريخ...
علي حسين

كلاكيت: عدي رشيد في «أناشيد آدم» سعي للنهوض بوعي المتلقي من أجل إثارة الأسئلة

 علاء المفرجي تأريخ السينما العراقية طويلا قياسا الى مثيلاتها باقي شعوب المنطقة، فالسينما العراقية لم تبدأ بالإنتاج إلا في منتصف الأربعينيات، ولم يكن الإنتاج الأول، إلا انتاجا مشتركا مع مصر، ولم تستطع منذ...
علاء المفرجي

المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب

د. كاظم المقدادي (2-2)التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحةمطلب التغيير الجذري والشامل للمنظومة السلطوية في العراق، الهادف لأقامة الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الإجتماعية،الضامنة للحياة الحرة الكريمة والمستقبل الأفضل لكافة أبناء وبات شعبنا، دون...
د. كاظم المقدادي

الشُّعوبيَة والشّعبويَّة.. لكلٍّ زمنه

رشيد الخيون يعيد اِصطلاح "الشَّعبوبيَّة" اليوم إلى الأذهان الحركة "الشُّعوبيَّة" في الأمس البعيد، مع أنَّ كلاً له زمنه ودلالته، كلاهما منحوتان مِن "الشَّعب" و"الشُّعوب". نَعتَ البعضُ بالشَّعبويَّة الرئيسَ الأميركيّ دونالد ترامب، في حملته الانتخابيّة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram