ثائر صالح
توفي جاكومو أنتونيو دومنيكو ميكيله سَكوندو ماريا پوچيني قبل مئة عام، يوم 28 تشرين الثاني 1924. لعله أكثر مؤلفي الأوبرا نجاحاً وشهرة في العصر الحديث ولربما حل ثانياً بعد فردي في الشهرة، وقد أوصل الأوبرا الإيطالية قمة المجد في أعماله مداما بترفلاي وتوسكا ولا بوهيم التي تعتبر بين أكثر أعمال الأوبرا تقديماً في العالم حتى اليوم.
تُعتبر الأوبرا فن إيطالي خالص، ابتكر في حدود العام 1600 في فلورنسا، ثم انتشر لاحقاً. لذلك كانت الإيطالية هي اللغة الشائعة التي كتبت بها الأوبرا خارج إيطاليا لغاية أواخر عصر الباروك وحتى في العصر الكلاسيكي (أوبرات موتسارت مثلا)، رغم وجود أمثلة عديد على استعمال اللغات الوطنية لكن سيادة اللغة الوطنية لم تتحقق إلا لاحقاً في القرن التاسع عشر بعد النهضة القومية.
كان الهدف من الأوبرا هو إحياء الدراما اليونانية الكلاسيكية القديمة، لذلك استمدت الأوبرا مواضيعها من الأساطير الإغريقية، ثم تميزت الأوبرا الهزلية عن الأوبرا الجادة، واستمر هذا الحال فترة طويلة في عصر الباروك قبل أن تتنوع مواضيعها مع تطور هذا الفن. ألف جاكوبو پَري (1561 - 1633) أول أوبرا في حدود 1597 لكنها فقدت، وأقدم أوبرا لا تزال محفوظة هي أوبراه "يوريديچه" (1600). لكن فن الأوبرا بدأ في الحقيقة مع عمل مونتفردي "أورفيو" (1607)، ولا يزال عمله "تتويج پوپيا" (1643) يحمل عناصراً عبرت الأزمان والعصور ولم تفقد من حداثتها حتى اليوم. يمكننا اعتبار الأوبرا أهم إنجازات عصر الباروك، فهي حررت الموسيقى من أسلوب عصر النهضة الذي يعتمد على التشابك اللحني وتعددية الأصوات (البوليفونية) فأصبح للأغنية أهمية كبيرة أكثر من السابق، وانعكس هذا على التطور اللاحق للموسيقى.
ولد پوچيني في لوكّا سنة 1858 حيث يوجد اليوم متحف يحمل اسمه، وكانت عائلته تتألف من أجيال من الموسيقيين خدموا كاتدرائية المدينة، درس في كونسرفاتوار ميلانو ثم بدأ حياته الفنية بتأليف ذلك النوع من الأوبرا المعروف بالواقعي (verismo)، إذ يستند اللبرتّو (النص) على أحداث من الحياة اليومية. يتميز أسلوبه بالغنائية العالية لكنها غنائية طبيعية سلسة، والاستناد إلى نصوص درامية عالية القيمة ليصوغ وحدة مميزة بين الموسيقى والنص الدرامي. وقد استعمل الكثير من التجديدات التي أدخلها سابقوه مثل فردي وفاكنر أو معاصروه مثل ديبوسي وشتراوس ليواكب التطورات العاصفة التي مرت بها الموسيقى في تلك الفترة، لكنه لم يطمح إلى أن تكون موسيقاه "معاصرة"، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أعمال سترافنسكي الجريئة.
تحتفل مختلف دور الأوبرا هذه الأيام بمئوية پوچيني، منها دار المتروبوليتان الشهيرة في نيويورك التي ترتبط بعلاقة وثيقة به. فقد قدمت الدار العرض العالمي الأول لعمله "ابنة الغرب" سنة 1910 في حضور پوچيني شخصيا. وقدمت الدار أوبرا لا بوهيم أكثر من أي عمل اوبرالي آخر.
موسيقى الاحد: مئوية پوچيني
نشر في: 1 ديسمبر, 2024: 12:01 ص