TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمودالثامن: نازك في السراي

العمودالثامن: نازك في السراي

نشر في: 2 ديسمبر, 2024: 12:06 ص

 علي حسين

عندما يُذكر امامنا الشعر الحر في بلدان العرب ، تطوف في اذهاننا صور نازك الملائكة والسياب والبياتي. ونعرف جيدا ان السياب مات على سرير المرض في الكويت ، والبياتي دفن في سوريا ، ومصر احتضنت قبر نازك الملائكة ، واذا أردت المزيد ستجد الجواهري الكبير بعيدا عن دجلة الخير في مقبرة الغرباء في دمشق. وقريبا منه مصطفى جمال الدين عاشق بغداد الذي تمنى لها عمرا اخضر تواجه به الاعاصير، فيما يرقد بلند الحيدري وسعدي يوسف في احدى مقابر لندن، وهناك قبور في الغربة لفوزي كريم ومؤيد الراوي، وسركون بولص ولميعة عباس عمارة وغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي، وتحتضن مقبرة الشهداء الفلسطينيين في بيروت قبر عراب الكتابة الصحفية شمران الياسري .
في السنوات الاخيرة تحاول بغداد ترميم ذاكرتها الثقافية مدينة سكنية باسم الجواهري ، شارع باسم ابو كاطع ، ومجسر فائق حسن ونصب في شارع السراي لأبرز اعلامها " نازك الملائكة " الشاعرة التي عاشت وماتت وهي تنتمي إلى فكر وثقافة مضادة لاثنين، التخلّف ودعاة الوطنية الزائفة . لم يسهم احد مثلما فعلت نازك الملائكة في فرض التجريب الشعري الذي عرف بالشعر الحر على خارطة الادب العربي. فقد كانت اول من كتب ونظر له ، فارتبط باسمها لانها ابدعت ودافعت عنه. كانت حجر الاساس في تشكيل ظاهرة ادبية . وكان لها شرف الريادة ببلورتها لنظرية شعرية حديثة وايضا ثورة اجتماعية لم يكن بامكان امرأة غيرها ان تكتب في منتصف الاربعينيات قصيدة تندد فيها بازدواجية المعايير بالنسبة للمرأة في مجتماعاتنا ، فكانت قصيدتها " غسلا للعار " نص من نصوص المقاومة في سبيل تحرير المجتمع كاملاً :
ياجارات الحارة .. يافتيات القرية
الخبز سنعجنه بدموع مآقينا
سنقص جدائلنا وسنسلخ ايدينا
لتظل ثيابهم بيض اللون نقية
لا بسمة ، لا فرحة ، لا لفتة . فالمدينة
ترقبنا في قبضة والدنا واخينا
وغدا من يدري أي قفار
ستوارينا غسلا للعار
عاشت نازك الملائكة حياتها مثل دون كيشوت تحارب طواحين الجهل والموت ، لكنها في النهاية مثل بطل سيرفانتس استسلمت بعد أن وجدت نفسها وحيدة ، يحيط بها صمت دائم .. المرأة التي فتحت أبواب الحداثة الشعرية ، أمضت سنواتها الاخيرة منزوية، توغل في الصمت ، وسيتآمر عليها العمر والمرض لتسقط في العشرين من حزيران عام 2007 بعيدة عن بلادها التي احبتها وتمنت ان تستند في ايامها الاخيرة على اسوارها .
تنتبه بغداد اخيرا لنازك الملائكة ، نصب في السراي ومكتبه في القشلة ، ينبهان الاجيال القادمة أن في هذه البلاد عاشت امرأة عراقية كانت جريئة ومحبة سيكتب لها ولذكراها البقاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

العمودالثامن: نازك في السراي

العمودالثامن: تسقط الاستقالة تعيش الاخلاق

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: من الفوضى إلى التهريج

 علي حسين الرسالة التي وصلت من فيديو فوضى مجلس النواب ، تقول بوضوح ان على الشعب أن يكون "خيال مآته" لا يحق له الاعتراض على القوانين، وليس من حقه معرفة ما يجري في...
علي حسين

قناطر: أجرجرُ عربةَ الضوء.. أحتفلُ بالشتاء

طالب عبد العزيز حتى وهو يطرقُ المسمارَ كانت عينُه زرقاءَ صانعُ أقفال الحدائق، حتى وهو يأخذها الى السرير ظلت يدهُ ممسكةً بزهرة عبّاد الشمس، حتى وهي ترفعه الى قِرطها البارد لم تنس الطريقَ الى...
طالب عبد العزيز

يوميّات سورية

زهير الجزائري (1-2)بعد سبعة أشهر من الاختفاء و بجواز سفر مزوّر وصلت الى دمشق. لا أصدق! أهرب من فراشي ومن الكابوس العالق في خيالي إلى شرفة الفندق لامتلئ بحقيقة أني هنا، في (فندق أمية...
زهير الجزائري

طغيان الحاكم..تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح مع تعدد معاني مفردة (الطغيان) فان افضلها ما جاء في كتاب(القهر الانساني في هندسة الطاغية) للأستاذ بدر خضر بأنه (مَن أسرف في المعاصي والقهر،واتَّخِذ من القوانين ما يُتِيح له ارتكابَ...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram