كانت اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية المحطة الأخيرة في حياة السيد جمال الدين الأفغاني ، المصلح الإسلامي الكبير ، بعد حياة حافلة بالجهد والتحدي ،وظل في الأستانة حتى سنة 1897 ،حيث دهمه المرض واشتد عليه ،فأمر السلطان بإرسال كبير جراحي القصر السلطاني . لكن العملية لم تنجح ،وهو في هذه الحالة بلغ التضييق عليه واسعا فاعتزم مغادرة البلاد العثمانية ،وكتب إلى مستشار سفارة إنكلترا ملتمسا منه مساعدته على السفر لكن السلطان ما أن علم بالأمر حتى أرسل إليه رسولا يطلب منه العدول عن رأيه باسم الإسلام لأن عمله هذا يمس كرامة خليفة المسلمين فتأثر جمال الدين لهذا الطلب وأبلغ رسول السلطان عزمه على البقاء في الأستانة عاصمة البلاد العثمانية ،مما حدا بالسلطان أن يرسل إليه جراحا فرنسيا ليفحصه فوجد أن العملية لم تجرِ على الوجه الصحيح . وظل يعاني شدة المرض حتى وافاه الأجل في 9/آذار/1897. أمر السلطان عبد الحميد أن يدفن الأفغاني بلا احتفال وأن تصادر أوراقه وتركته، ودفن يوم 12/3/1897 في مقبرة تكاد تكون مجهولة ،حيث لم يشيع جثمانه إلا ثلاثة أشخاص وظل مدفنه منسيا ما يقارب الثلاثين عاماً حتى اهتدى إليه المستشرق الأميركي المستر كرامين سنة 1926 فبنى له ضريحا من الرخام وأحاطه بسور من حديد ،وبعد مرور خمسة وأربعين عاماً نقل رفاته في احتفال عظيم إلى افغانستان مرورا بالعراق . وقد شهدت الموصل وبغداد والبصرة احتفالات عند مرور رفات جمال الدين الأفغاني ،ففي بغداد في مثل هذا اليوم من عام 1944 أودع الرفات في الحضرة القادرية ، وألقى الأدباء والمثقفون كلمات التأبين فكان أول المتكلمين الأستاذ طه الراوي أستاذ الادب العربي في دار المعلمين فقال في كلمته إن الراحل الكريم والمصلح العظيم السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني أحد تلك الأقمار المنيرة فقد طلع في سماء هذه الأمة كوكبا هاديا كما كان بيد الحق حساما ماضيا، كما ألقى الشيخ جلال الحنفي كلمة باسم رجال الدين فقال :ما أسمى هذا المركب الجليل الذي هو بعض حقوق المصلحين على الأجيال، إن جمال الدين الأفغاني لأعجوبة من أعاجيب الإسلام وإنه لمفخرة من مفاخر الأفغان وإنه لبركة من بركات ذلك الغصن الذي أنبته نباتا حسنا غصن آل البيت الكرام ،كما ألقى الشاعر محمد مهدي الجواهري قصيدته الشهيرة :
هويت لنصره الحق السهادا فلولا الموت لم تطق الرقادا ولولا الموت لم تترك جهادا فللت به الطغاة ولا جلادا