علاء المفرجي
فقد الوسط السينمائي العربي أحد أهم صانعيه وهو المخرج العراقي قيس الزبيدي، الذي عرف بشكل خاص في فلسطين، من خلال مساهمته الأساسية في انشار مؤسسة السينما في فلسطين، وكما أسس قيس الزبيدي الأرشيف السينمائي الوطني الفلسطيني، بالتعاون مع الأرشيف الاتحادي في برلين ألمانيا.
وقيس الزبيدي مخرج ومصوّر وباحث سينمائي من العراق. تخرج في معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ، ألمانيا بدبلوم في المونتاج عام 1964 ودبلوم في التصوير عام 1969. وأخرج مجموعة من الأفلام التسجيلية في المؤسسة العامة للسينما في دمشق وفي دائرة الثقافة والأعلام في منطقة التحرير الفلسطينية ولبنان وألمانيا. وحازت أفلامه على جوائز في مهرجانات عربية ودولية عديدة. وللزبيدي العديد من المؤلفات منها: "فلسطين في السينما"، و"المرئي والمسموع في السينما"، و"مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم"، و"مونوغرافيات في الثقافة السينمائية". تخرج من معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ، ألمانيا بدبلوم في المونتاج عام 1964 ودبلوم في التصوير عام 1969. ومن ثم عمل في استديو ديفا للأفلام التسجيلية وفي المعهد العالي للسينما في ألمانيا في المونتاج والتصوير والإخراج.
وأخرج الزبيدي مجموعة من الأفلام التسجيلية في المؤسسة العامة للسينما في دمشق وفي دائرة الثقافة والأعلام في منطقة التحرير الفلسطينية ولبنان وألمانيا. وقام بإخراج بعض الأفلام التجربية منها "الزيارة" في 1970، و"اليازرلي" في 1974 والذي عانى الرقابة أينما عرض. وقام بمونتاج وإخراج مجموعة من الأفلام العربية الهامة في كل من دمشق ولبنان وتونس وفلسطين وألمانيا. وحازت أفلامه جوائز في مهرجانات عربية ودولية عديدة وصدر عنه وعن أفلامه كتاب"عاشق من فلسطين"، للناقد محسن ويفي في عام 1995. وصدر كتاب عنه بعنوان "قيس الزبيدي… الحياة قصاصات على الجدار" للمخرج السوري محمد ملص في عام 2019.
وله العديد من المؤلفات عن السينما منها: بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني: نحو درامية جديدة، دار قدمس للنشر، درامية التغيير: برتولت بريشت، دار كنعان، المرئي والمسموع في السينما، دمشق: المؤسسة العامة للسينما، فلسطين في السينما، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الوسيط الأدبي في السينما، أبو ظبي: مهرجان: أفلام من الإمارات، مونوغرافيات في نظرية وتاريخ صورة الفيلم، دمشق: المؤسسة العامة للسينما، في الثقافة السينمائية – مونوغرافيات، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف، وزارة الثقافة الفلسطينية، دراسات في بنية الوسيط السينمائي، الشارقة: دائرة الثقافة.
وكانت المدى قد اجرت آخر حوار مع الزبيدي في الصفحة الثقافية، نقتطف منه ما يلي:
اسهامك في تطوير السينما الفلسطينية بل وتاسيسها، واضح للعيان.. هل تحدثنا عن تجربتك هذه؟ وما الذي اضافته اليك سينمائيا؟ وماذا عن تجاربك السينمائية التي أنجزتها في مجال السينما الفلسطينية في سوريا ولبنان وتونس وداخل الأرض المحتلة
اكتشفت أن مرض السينما العربية وبشكل خاص السينما المصرية، هو بعدها عن الواقع ألاجتماعي إلا في حالات نادرة، واكتشفت أيضاً أن سبب هذا المرض هو عدم وجود تاريخي حقيقي بشكل نوعي لسينما تسجيلية، ولم تشكل هذه السينما، ألا في حالة المهرجانات، تجربة يومية لجمهور السينما العربية، وما كان يقوم به المخرجون بالغالب، ليس تنظيم صورة الواقع، وإنما إعادة تمثيل الواقع بمعرفة اجتماعية وفكرية تكون في حالات كثيرة، غريبة عن الواقع، وبالتالي يكون حضور الواقع في السينما هو حضور خرافي، حلمي، غير حقيقي، اضافة إلى انه سطحي.
أغلب أفلامي في سوريا كانت عن القضية الفلسطينية، أيضا في ألمانيا. ولطالما جرى وصفي بأنني فلسطيني الانتماء. ففي إحدى المهرجانات صدر كتاب لتكريمي بعنوان "عاشق فلسطين". والحقيقة أنني أتضايق من وصفي كسينمائي عراقي، فأنا لم أصور حتى صورة فوتوغرافية واحدة في العراق.
كانت البداية أثناء عملي، حيث عملت في المؤسسة العامة للسينما، مساهمتي الفنية في المونتاج في فيلم "أكليل الشوك" لنبيل المالح، غير أني بعد أن توقفت عن العمل في المؤسسة بعد شهر، أتيحت لي الفرصة لاحقاً في التلفزيون العربي السوري لإخراج الفيلم التسجيلي"بعيداً عن الوطن" الذي أصبح عنوانه عنواناً لحياتي، بعيداً عن وطني العراق، وبعد فترة طويلة صعبة، عدت للعمل في المؤسسة كمشرف على قسم المونتاج، وأنجزت أول فيلم روائي تجريبي قصير هو "الزيارة" كما ساهمت أيضاً بالسيناريو والتصوير والمونتاج في ثلاثية "رجال تحت الشمس" وهي ثلاثية وضعت البداية لنوعية جديدة من الأفلام السينمائية السورية ونال في قرطاج الجائزة الفضية.
لاحظت من خلال "بعيداً عن الوطن" إن أطفال الفيلم، في مخيم سبينة (الموجود جنوب دمشق العاصمة السورية) عندما أخذتهم في أكثر من محاولة لاستديو الصوت في دمشق ليشاهدوا رشس اللقطات التي صورتهم صورهم وصور مخيمهم، وهي أول مرة يشاهدوا فيلما في حياتهم، راحو يحاوروا الشاشة مباشرة. بينما مهندس الصوت يسجل تعليقهم على الصور. وبما إن تقنية تسجيل الصوت مباشرة مع الصورة لم يكن متوفرا في سوريا،عليه استخدمت تعليقهم على صور الفيلم، وكان هذا أحد الأسباب في فوز الفيلم بجائزة الحمامة الفضية في مهرجان لايبزغ السينمائي الدولي، 1969؛ علما إنها المرة الأولى التي كان فيها يفوز فيلم تسجيلي سوري بجائزة في مهرجان! إضافة إلى حصول الفيلم بجائزة التقدير الوحيدة للجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي لسينما الشباب، 1972.
لديك فهم خاص للسينما التسجيلية من خلال ممارستك وعملك فيها، هل تحدثنا عن هذا المفهوم؟
هذا يعني أننا في حالة التسجيلي. أمام مادة خام من الواقع مباشرة، وأن الفنان لا يكتفي فقط، ولا يمكن أن يكتفي، بنسخها وعرضها على الشاشة فقط. من هنا بدأت تظهر في عملية الخلق الفني، مبادئ جديدة، فلكي يختار السينمائي التسجيلي مواده من الواقع ويسجلها، تظهر وجهة نظره، وتعبر عن موقفه الفكري تجاه العالم، لأن الكيفية الفنية، التي ينسق فيها الفنان صور الواقع، تعكس حقيقة فيلمية، تكتشفها ذات الفنان. رغم إننا في حالة الفيلم التسجيلي، سنجد أن المنهج، يستلهم الواقع، بشكل خلاق ويعبر عن مضامينه المختلفة، لا يمكن إلا أن يرتبط، بوحدة جدلية لا تنفصم، بالمنهج التعبيري.
- إن تاريخ السينما، حسب بعض المنظرين والمؤرخين، بمثابة تجاور وتفاعل دائم لـ "اتجاهات" الأخويين لوميير التسجيلية/الواقعية وجورج ميلييس الروائية/الخيالية. ويمكن أن يقال إن الروائي/الخيالي يحتوي أيضا على جوانب تسجيلية كما يقول منظر الفيلم التسجيلي بيل نيكولس لأنه يسجل أيضاً أحداثاً درامية ويحقق شكلاً تسجيلياً بناءً على رغبة فيلمية كاملة لمؤلفه أو مخرجه أو لشركة إنتاجه.
ونتعرف في السينما المعاصرة على تنويعات فنية عديدة لهذين الاتجاهين-المنهجين في التعبير التسجيلي أو الروائي. وأن هذه التنويعات الفنية لمنهجين متقابلين ومتداخلين في التعبير السينمائي تساعد محاولة الاقتراب،بشكل أكثر،من حقيقة الواقع الاجتماعي،ومن خلق صلة عميقة وصادقة به.كما أنها من جهة أخرى،تساعد أيضاً في محاولة الكشف عن خصوصية فن السينما،لأن المنهج الذي يعتمد تنظيم المادة (في الواقع) يمثل المنهج الذي يعتمد إعادة بناء موديل فني للمادة (في الواقع)، فكلا المنهجين هما نتاج رؤية فنية ذاتية.
في فيلمك "الزيارة" وهو روائي شاعري قصير، جمعت فيه فنياً عناصر تنتمي إلى الرسم والشعر والموسيقى الشرقية والغربية والفوتوغراف في وحدة فنية.. هل تحدثنا عن هذه التجربة؟
بدأت عملي كسينمائي بإخراج فيلمين قصيرين تسجيلي "بعيداً عن الوطن" وروائي "الزيارة" وذلك تعبيراً عن توجهي في إخراج أفلام تسجيلية وروائية فنية شبيهة بالفيلمين المذكورين.
فيلم (الزيارة) كما يؤكد الناقد فيصل دراج ينطوي على القصيدة، واللون، والموسيقى، والرسم، والتمثيل البديع.. ما هي التجريب في أعمالك الفنية التي تميل إلى التلاقح بين الفنون والأجناس الإبداعية المتعددة؟
وفيلم الزيارة هو اعادة اخراج جديدة في سوريا لفيلم "نزهة" الذي اخرجته اثناء دراستي التصوير والفيلم الثاني كفيلم روائي شاعري قصير مستوحى من ديوان شعر المقاومة، تشكلت صيغته الشعرية من عناصر فنية تنتمي إلى الرسم والشعر والموسيقى الشرقية والغربية والفوتوغراف والبانتوميم في شكل يجمع في وحدة فنية كل تلك العناصر، وهنا سيأتي أيضاً، دور المونتاج الذي يجعل من ما هو منفصل متصل السياق ومن ما هو متجزئ مستمر السياق…
مارست التنظير في السينما – واسمح لي أن اصف هذه الكتابات– لماذا الكتابة عن السينما التي تشغل ايضا قيس الزبيدي؟
بداية كنت كسينمائي بحاجة شخصيا إلى ثقافة نظرية عن الفيلم التسجيلي والروائي كما كان حال غيري من السينمائيين ونقاد السينما ومحبي السينما لمثل هذه الثقافة.
في بغداد وقع في يدي كتاب بودفكين عن فن السينما، ترجمه صلاح التهامي في الخمسينيات وحاولت أن أتعمق،وقتها، في قراءتي وكأني اكتشفت فجأة أهمية المونتاج السينمائي على يد المنظر الأول، الذي وجد في المونتاج أساس فن السينما. وعلى هذا الأساس اعتقد، انطلاقاً من مذهب التداعي في علم النفس،إن الربط بين صورتين ينتج في ذهن المتفرج تداعياً من انطباعين. كما ينتج تتابع الصور مجازاً وتشبيهاً صورياً (ذوبان الجليد في نهر النيفا وتقدم جماهير العمال في فيلم "الأم")، أو ينتج الفرضية المضادة (اقتحام الجنود في الجبهة الحربية ومضاربات البورصة في المدينة في فيلم "الأيام الأخيرة في سانت بطرسبورغ. وسماه وقتئذ "مونتاج العلاقة، وكان المونتاج، على هذا الأساس، عبارة عن "المنهج الذي يتحكم في القيادة النفسية للمشاهد".كما أنه أدرك أن غرض المونتاج وتقنياته تكون بمثابة عونا للحكاية، ودَعْما لها،لا تحويرها أو تبديلها.ولعل من حسن الحظ أن أبدا في تعلم أهمية المونتاج عند بودفكين وليس عند ايزنشتين. فنظرية بودفكين ببساطة تعبيرية: أي أنها تعني أساساً بمدى قدرة صانع الفيلم على التأثير في المشاهد.
اعني بذلك انه لو تم لي وقتها قراءة ايزنشتين، الذي مازالت قراءته، إلى اليوم، صعبة ومعقدة، بسبب من ثقافته الأدبية والفنية والموسيقية الموسوعية، ولأنه كان يبحث باستمرار ويحاول أن يضع أسسا نظرية للفن الجديد، لكنت ربما ابتعدت عن السينما. بودفكين مثله مثل ميخائيل روم، كان في أطروحته تعليميا، يحاول أن ينقل ببساطة مدهشة أمورا فنية معقدة، كما أنه اكتشف مقولات للشكل وحلّلها، ونظر إلى المونتاج على أنه القلب المركب والنابض للفيلم.