TOP

جريدة المدى > سياسية > أسلوب ممنهج.. تقييد الحريات وتوظيف المجتمع المدني!

أسلوب ممنهج.. تقييد الحريات وتوظيف المجتمع المدني!

نشر في: 3 ديسمبر, 2024: 12:07 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

في الآونة الأخيرة، قامت العديد من المنظمات بنشر بيان موحد أشاد بأداء حكومة السوداني، مع التركيز على ما وصفه البيان بازدهار العمل المدني خلال فترة هذه الحكومة، جاء البيان في وقت تواجه فيه المنظمات، مثل التهديدات، والاعتقالات، وحملات التشويه.
ومع ذلك، وبعد تحريات قام بها معد التقرير، تبين أن دائرة المنظمات أصدرت تعميماً يلزم العديد من المنظمات بنشر هذا البيان مرفقاً بصورة رئيس الوزراء السوداني. يعتبر البعض أن هذا النهج يعكس محاولات الحكومة الحالية للحد من حرية الرأي والتعبير، وتوظيف المنظمات لتحقيق أهداف سياسية وإعلامية تتنافى مع مبادئ الاستقلالية والشفافية، وهو أسلوب ممنهج يذهب باتجاه قمع الحريات تدريجياً، ولوحظ ذلك من خلال تواصل مراسل (المدى)، مع المنظمات التي نشرت البيان؛ امتنعت جميعها عن إعطاء رأي او وجهة نظر.
يرى المحلل السياسي محمد زنكنة أن حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قدمت أداءً إيجابياً في العديد من القضايا، إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجهها يكمن في عدم قدرتها على السيطرة على الميليشيات التي تعمل على تقويض دور الحكومة وتوجيه انتقاداتها لها بشكل متعمد.
يشير زنكنة إلى أن منظمات المجتمع المدني في العراق تعاني من تحكم الميليشيات، التي تتدخل بشكل مباشر في عمل هذه المنظمات، فتختار منها ما يتماشى مع مصالحها وتقصي البقية. تستخدم الميليشيات ذرائع مختلفة، مثل التعامل مع السفارات الأجنبية، لتبرير استبعاد بعض المنظمات.
يتابع زنكنة: "بالمقابل، توجد منظمات تتظاهر بالعمل لصالح العراق لكنها تسعى لتقريب نفسها من الحكومة بهدف تسيير مصالحها". ويضيف أن هذا النهج سيضر بالسوداني في نهاية المطاف، لأن الميليشيات لا تلتزم بولاء طويل الأمد وستعمل على إقصاء هذه المنظمات لاحقاً.
كما يؤكد زنكنة أن بعض المنظمات تُستخدم كواجهة لغسيل الأموال وتمرير الصفقات المشبوهة، ما يورط الحكومة السوداني بشكل غير مباشر. هذه الممارسات تشمل تأسيس شركات ومراكز تجارية أو مشاريع أخرى تحت غطاء المجتمع المدني.
فيما يتعلق بالإعلام، يرى زنكنة أن لرئيس الوزراء أو أي مسؤول الحق في الاعتماد على وسائل إعلامية لتسليط الضوء على نشاطاته. لكنه يشدد على أن هذه الخطوة يجب أن تُمول من موارد الحزب السياسي الذي ينتمي إليه المسؤول أو من ماله الخاص، لكن في الحالة العراقية، تُمول المؤسسات الإعلامية التي تروج للسوداني من موارد الدولة، مما يثقل كاهل الشعب العراقي. ووفقاً لزنكنة، فإن هذه المؤسسات الإعلامية لا تعمل بشكل مستقل، بل تتحرك وفق أوامر الميليشيات، التي تحاول أن تظهر السوداني في صورة القوي والناجح.
يرى زنكنة أن الهدف الحقيقي للميليشيات ليس تعزيز موقف السوداني، بل تقويض حكومته وإضعافها على المدى الطويل. هذا يتضح في محاولتها عرقلة جهوده لتحسين العلاقات مع إقليم كردستان والعالم العربي والدولي.
يخلص زنكنة إلى إن حكومة السوداني تواجه تحديات مركبة تتعلق بسيطرة الميليشيات، التدخل في عمل المجتمع المدني، والتلاعب بالإعلام. هذه العوامل تعيق الحكومة عن تحقيق تقدم ملموس، وتسلط الضوء على ضرورة إيجاد حلول جذرية تعزز من استقلالية الدولة وتبعدها عن تأثير الجماعات المسلحة".

حظر مواقع
في ظل الحكومة الحالية، أظهرت وزارة الاتصالات العراقية اهتمامًا لافتًا بحظر المواقع الإباحية، مدفوعةً بتصريحات وزيرة الاتصالات التي أعربت عن استيائها من تصدر العراق قوائم الدول ذات نسب المشاهدات الأعلى لهذا النوع من المحتوى. هذا التوجه أثار جدلًا كبيرًا، خصوصًا في ظل وجود تحديات أخرى أكثر إلحاحًا تعاني منها الوزارة، أبرزها سوء خدمات الإنترنت التي تُعد من الأسوأ في المنطقة.
لم يتوقف الأمر عند حظر المواقع الإباحية، بل امتد ليشمل تطبيقات ومواقع أخرى، مثل "ساوند كلاود" المستخدم للاستماع إلى الأغاني، وموقع متخصص بالمعدات التصويرية، وآخر لتنزيل صور خلفيات الهواتف، إضافة إلى حظر موقع قاعدة بيانات الأفلام IMDB، الذي يقتصر عمله على تقديم معلومات وتقييمات عن الأفلام الأجنبية، ولا يُبث عبره أي محتوى بصري. هذه الخطوات عززت الانطباع بأن وزارة الاتصالات تنتهج سياسات صارمة وغامضة تجاه حرية الوصول إلى الإنترنت، وأثارت قلقًا بشأن تزايد القيود على حرية التعبير في العراق وصناعة المحتوى الرقمي.
التبريرات التي قدمتها الوزارة، بأن هذه المواقع "تروج لمحتوى هابط يتعارض مع أخلاقيات المجتمع العراقي"، لم تخفف من حدة السخرية والانتقادات التي طالتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
تجددت التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإجراءات جزءًا من سياسة منهجية لتقييد حرية التعبير تدريجيًا، أم أنها نتيجة لسوء الإدارة ووجود مسؤولين غير مؤهلين لشغل مناصبهم. الكاتب والصحفي العراقي أحمد الشيخ ماجد علّق على هذه التطورات قائلًا: "هذه السياسة تأتي في سياق يفرضه الإطار التنسيقي. ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني يبدو منشغلًا بأمور خارجة عن اختصاصه، بينما يسعى لإرضاء أطراف الإطار من خلال تقليص الحريات العامة. هذا النهج ليس جديدًا، بل يمتد منذ عام 2020، ويعكس توافق القوى السياسية المشكلة للحكومة على تقييد الفضاء العام وتحجيم الحريات تدريجيًا".
يتحدث ماجد لـ(المدى) قائلاُ "أية مؤسسة تحتاج إلى جرأة كبيرة وقلة حياء حتى تكتب مثل بيان وزارة الاتصالات الأخير حول حجب المواقع في العراق"، مشيراً إلى أن "الوزارة وصفت المعترضين عليها بـ'المتصيدين بالماء العكر'، وذلك لأنها تقوم بواجبها في الوقوف ضد ما يستهدف المنظومة الأخلاقية والنسيج المجتمعي العراقي، كما أهابت بالمواطنين 'عدم الانجرار وراء الحملات التي تستهدف أخلاقهم وقيمهم". وأكد أن تراجع الحريات في عهد هذه الحكومة ومن يدعمها من قوى الميليشيات والسلاح، كان منذ البداية يحتوي على خطين واضحين: الانقضاض على الحريات باسم الأخلاق (راجع حملة المحتوى الهابط)، والدونية الواضحة أمام أي رأي مختلف، بمعنى أن الإقدام على أي قرار لا تصحبه ثقة ترافق بالعادة المؤسسة التي تمتلك سياقاً قانونياً طبيعياً، وإنما محاولات كتابة قصائد المظلومية والدرامية في بيانات حكومية لا يفترض أن تنزل إلى مستوى شبيه بـ"صراعات البلوغرات".
وأضاف: "هناك بيانات صدرت عن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، كانت عبارة عن لغز يجب أن تفهم منه فقط أن هناك هجمة! هجمة على من؟ لا ندري".
وتابع: "بغض النظر عن أن النظام الأكثر فساداً على هذه الأرض ليس مؤهلاً حتى للحديث بالأخلاق والقيم التي لا نعرف ما شكلها وحدودها والأساسات التي بنيت عليها، لكن القرارات التي يتم فرضها بحجة الأخلاق هي من أكثر أنواع القرارات جوراً على مر التاريخ. دائماً من يقومون بذلك، تعيش شعوبهم في مقدمة قائمة العار الإنساني". وأكد أن "من يقمعون الناس بحجة مصلحتهم والفضيلة والأخلاق، سيستمرون بقمعهم إلى ما لا نهاية، لأنهم يفعلون ذلك بضمير مستريح، مع دونية كبيرة تدفعهم للإقدام والحديث عن 'أشباح' تهاجمهم وتحاربهم لأنهم يقومون بحماية الأخلاق، مثل وزارة الاتصالات وحكومة الإطار التنسيقي".
الصحفي والحقوقي العراقي منتظر ناصر اوضح في حديث لـ "المدى"، عن مخاوفه إزاء ما وصفه بـ "أسلوب ممنهج" للتضييق على الحريات العامة في العراق. وأكد أن هذا النهج لا يقتصر على الحكومة الحالية بل يشمل النظام السياسي بأكمله، مشيراً إلى استخدام قوانين موروثة من النظام السابق لتقييد حرية التعبير واستهداف أصحاب الرأي.
أوضح ناصر أن القوانين الشمولية، مثل المادة 226 من قانون العقوبات لعام 1969، لا تزال تُستخدم لملاحقة من يُعتبرون مسيئين لمؤسسات الدولة. وأضاف أن هذه القوانين، التي كانت أداة بيد النظام السابق ضد معارضيه، لا تزال سارية حتى بعد عام 2003 وتُفعّل الآن ضد الصحفيين والمدونين. كما أشار إلى مواد أخرى مثل المادتين 433 و434، التي تُستخدم لتقييد الصحفيين بسبب آراء تتعلق بالشخصيات السياسية.
تطرق ناصر إلى حملة ملاحقة "المحتوى الهابط" التي انطلقت في أوائل 2023، معرباً عن قلقه من أن تتسع لتطال أصحاب الرأي. وأكد أن هذا التخوف أصبح واقعاً بعد إصدار رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، بياناً في 2023 يدعو لملاحقة "ذوي المحتوى الهابط" و "المسيئين لمؤسسات الدولة"، وهي إجراءات تستند إلى مواد قانونية مثيرة للجدل مثل المادة 226.
انتقد ناصر الطبقة السياسية العراقية، معتبراً أنها بعيدة عن تبني مبادئ الديمقراطية والحريات العامة سواء كنهج فكري أو عملي. وأكد أن زعماء الحركات والأحزاب السياسية يفتقرون إلى الأسس الديمقراطية، مما يجعلهم غير مؤهلين لتعزيز حرية التعبير أو ترسيخها. وأشار ناصر إلى أن عدم إقرار قانون حق الحصول على المعلومة يعكس عجز النظام السياسي عن تعزيز الشفافية. وأكد أن الجهود المبذولة منذ سنوات لتعديل مسودة القانون لا تزال دون جدوى، حيث بقي المشروع في أدراج البرلمان دون حسم.
سلط ناصر الضوء على محاولات تشريعية جارية لتمرير قوانين مثل قانون جرائم المعلوماتية وقانون حرية التعبير، محذراً من أن هذه القوانين، بصيغتها الحالية، تقيد الحريات بدلاً من تعزيزها، وتفتح الباب أمام المزيد من الانتهاكات ضد أصحاب الرأي والصحفيين.
في ظل الأوضاع الراهنة، يرى منتظر ناصر أن العراق يشهد تراجعاً حاداً في الحريات العامة، نتيجة هيمنة طبقة سياسية لا تؤمن بالديمقراطية أو حرية التعبير. كما أكد أن استمرار تفعيل القوانين الموروثة ومحاولات إقرار تشريعات مقيّدة يمثل تهديداً خطيراً لحرية الرأي والتعبير في البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

زعامات
سياسية

زعامات "الإطار" صامتة بشأن "حل الحشد".. وقصص مفبركة حول المرجعية

بغداد/ تميم الحسن صعدت الفصائل خطابها ضد المعلومات المتداولة بشأن "حل الحشد الشعبي"، بينما أعلنت تلك الجماعات عن وقف العمليات العسكرية.بالمقابل، يستمر غموض موقف "زعماء الإطار التنسيقي" إزاء تلك الأنباء، حيث لم يصدر أي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram