للأخت عند العراقيين منزلة قد لا نجدها في باقي المجتمعات العربية. فالشجاع عندهم "أخو خيتة" وكذلك الشريف والنبيل والشهم والعفيف. وإن بدر من احدهم سلوك بعكس تلك الصفات ينعتونه بـ "مو أخو خيتة". مرة سمعت بغداديا شتم آخر بقوله "لك انت مو أخو خيتك ولو أخو خيتك صدك جان ما سويت هيج مكسورة".
وإن كان للمرأة صورة نمطية تعرف بها في كل مجتمع أو بلد، كأن يقال عن الايطالية زوجة رائعة، وعن الهندية كادحة، والصينية صبورة، فالعراقية أخت من الطراز الأول. تشعر بالأمان مادام عندها أخ وفيّ يفضلها على زوجته وأولاده. وان كانت تحزن لو مات أبوها أو أمها أو زوجها أو ابنها، لكن حزن العراقية يصبح "حزن معدان" لو مات أخوها.
هذه الصورة، أو الظاهرة الاجتماعية، التي يكاد ينفرد بها العراقيون، أعتقد أن لها أسبابا ثلاثة، مجتمعة أو منفردة. الأول أن العراقيين توارثوها من أيام سومر حين كانت أنانا "عشتار" تبحث عن دموزي "تموز". ولو أن الأساطير تقول بأنه زوجها لكنها في كل قصائدها تسميه "أخي". والثاني، وهو الأهم برأيي، هو تأثر العراقيين بمجريات واقعة كربلاء. وإن كانت الواقعة المفجعة تثير أحزان العراقيين، لكنهم عند الحديث عن علاقة الإمام العباس بأخته زينب، يتحول حزنهم إلى ما يصعب وصفه بالكلمات. وهكذا نرى العراقية حتى وإن تزوج أخوها وصارت له عائلة كبيرة، فإنها لا تنسى حقوقها عنده ولا تسمح له بأن يفرط بها. يجب أن يكون دائما كما كان العباس مع زينب. أما السبب الثالث فقد يكون إشعار فدعة الازيرجاوية وما رافقها من حكايات حول علاقتها بأخيها حسين. العراقيات حفظن نواعي فدعة وأضفن لها فصارت واحدة من أهم مصادر أغاني "الدلول". أغانٍ وترنيمات غذينها مع الحليب لأطفالهن فتأصلت عندهم في اللاشعور:
اشما تون يحسين انا اشيط والنوم عفته والغطيط
يالتعدل العوجة عدل ميط يمعزب الخطار تشريط
ردتك على كومك كليط يلجنهم بعقلك زعاطيط
يحسين خويه جبل كرحوت اليصعد يمتحن والينزل يموت
بحر اتكالب بيك كل حوت عقلك جسر ياهو اليجي يفوت
الغريب أن كل هذه الرموز(دموزي والعباس وحسين أخو فدعة) تعرضوا للظلم والقتل. وأظن أن هذا يكشف سر بكاء العراقية عندما تسمع بموقف لأخ فيه شهامة ونبل وكأنها تشعر بأنه سيظلم.
يروى انه في قرية من قرى العراق الجنوبية ظهر أسد يهاجم أهلها مع غروب الشمس. قتل منهم نساء ورجالا وأطفالا. كان شيخ القرية أول الخائفين فأمرهم أن يكتفوا بغلق أبواب صرائفهم وأكواخهم وأن لا يخرجوا منها. ظلت القرية شهورا تعيش تحت رهبة الخوف من الموت. كان فيها شاب فقير يعيش مع أخته. شان عليه أن يراها ترتعد كلما حل الظلام. لم يملك سوى خنجر بسيط حمله وذهب قبل الغروب ليكمن قرب المكان الذي يخرج منه الأسد. خرج فقتله الشاب وجاء به إلى القرية. نادى على أهلها أن اخرجوا فلقد قتلته. تجمع أهالي القرية في باحة قصر الشيخ يرقصون ويغنون ويباركون لشيخهم هذا الانتصار العظيم. انتهى الحفل وعاد كل إلى بيته فرحا. صاح بهم الشاب الذي لم يشكره أحد عدا أخته: ولكم مناعيل الوالدين ولا واحد بيكم يقلي عفيه "أخو خيته".