TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > فـارزة: حين ينزعج المالكي!!

فـارزة: حين ينزعج المالكي!!

نشر في: 29 يناير, 2011: 08:50 م

 علي حسين  لا تستغربوا محاولة الحكومة أن تضحك علينا بكلمتين حول التسامح والتعددية واحترام الرأي الآخر وضمان الحريات، فتلك بضاعة بعض الساسة التي لا ينفد معينها، ثم إنها بضاعة مجانية، لا تتطلب من أصحابها سوى تزويق العبارات وحبكها، وهي الصنعة التي راج سوقها في زمن العجز عن الفعل و الاستقواء بالكلمات،إذ كما أن هناك من يفصل القوانين على هواه  فهناك أيضا من يجيد تفصيل الخطب  لتناسب كل مقام وزمان.
لا غرابة في كل ذلك، وإنما الغريب في الأمر أن يؤخذ مثل هذا الكلام على محمل الجد، والأشد غرابة أن يصدقه البعض.خذوا مثلاً الكلام الذي نشرته الصحف هذا اليوم والذي جاء فيه أن رئيس الوزراء عبر عن انزعاجه الشديد لما يحدث من تصرفات تهدف إلى التضييق على الحريات العامة، والمؤسف في هذا القول أن رئيس الوزراء لم يحدد من هم الذين يقفون وراء هذه التصرفات، لا ادري لماذا لم ينزعج السيد رئيس الوزراء حين داهمت قوات الشرطة ولمرتين متتاليتين وبنجاح اتحاد الأدباء الذي ارتبط اسمه باسم مؤسسه الجواهري الكبير، ولا ادري لماذا لم ينزعج السيد رئيس الوزراء وهو يرى عبث مجلس محافظة  بغداد الذي ترك الاهتمام بشؤون المواطنين وانشغل بتأسيس اتحاد للأدباء يقف بالضد من اتحاد الجواهري، ولا ادري لماذا صمت رئيس الوزراء ومعه الحكومة بأكملها على تجاوزات مارسها و يمارسها كل يوم أعضاء في مجالس المحافظات، ولا ادري لماذا لم ينزعج رئيس الوزراء على شعارات وزعتها محافظة بغداد تحرض ضد المثقفين والأدباء وتصفهم بالمنحرفين، ولا ادري لماذا لم ينزعج السيد المالكي وهو يسمع ويقرأ تصريحات رئيس مجلس محافظة بغداد التي  وصف فيها مؤسسة إعلامية بحجم "المدى" بالفجور وإشاعة الرذيلة. المحزن في تصريح المالكي، انه افترض في الناس الغباء والبلاهة. ولا أعرف كيف أقنع نفسه بأنهم يمكن أن يصدقوا هذا الكلام، في حين أن أي مواطن عادي يعرف جيدا أن المعركة الوحيدة التي يخوضها السيد رئيس الوزراء بمنتهى القسوة والشراسة  ليست معركة ضمان الحريات وإشاعة روح المجتمع المدني، بل هي معركة تكريس احتكار السلطة بكل الوسائل والتي أبرزها الضغط على القضاء لإصدار قوانين وتشريعات تكرس لسلطة الرجل الأوحد. إن المشكلة التي يواجهها المشهد السياسي في العراق اليوم لم تعد تتمثل في إصرار البعض على احتكار السلطة وغياب الحريات المدنية فقط، وإنما هي في الإصرار على اللعب على وتر الدين لمحاربة الحريات والوقوف بوجهها والطلب من القضاء تأييد احتكار السلطة من خلال وسيلتين: الأولى هي الإصرار على تدمير عناصر المجتمع المدني حتى لا يلوح في الأفق أي بارقة أمل في إمكانية وجود بديل يمكن أن ينافس يوما ما، ما هو قائم ، وتشهد بذلك القيود التي تكبل الحريات العامة وتلوح بقوانين مجلس قيادة الثورة المقبور في إرهاب الناس التي أصبحت غاية أمانيهم أن يحصلوا على قليل من الكهرباء وعلى وظيفة تسد الرمق وعلى بيت حتى وان كان من الصفيح وعلى أمان يحمي أبناءهم من عصابات الإرهاب والجريمة.الوسيلة الثانية لضمان الاحتكار تمثلت في اللعب بالقوانين والعبث في الدستور، لإضفاء شرعية على ممارسات الحكومة، بحيث أصبح الاحتكار محميا بتشريعات قضائية والنموذج الفادح لذلك هو القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية والذي يقضي بارتباط الهيئات المستقلة برئاسة الوزراء مباشرة.للأسف الحكومة تحشو أذنيها بكميات كبيرة من القطن حين يكون الحديث عن انعدام الخدمات وتسلط مجالس المحافظات والفساد الإداري ونهب المال العام والبطالة والرشوة والتزوير والمحسوبية والقهر الذي يعاني منه الناس البسطاء وتعنت وبيروقراطية أجهزة الحكومة.انزعاج السيد المالكي يدعوني إلى أن أعيد تكرار عبارة  طالما رددتها  تقول: "في الأنظمة التي تضع أولى خطواتها على طريق الدكتاتورية تكون العبارات المنمقة ابرز وسيلة للضحك على الناس".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram