TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سكونية الثقافة وقلق الشعب والوطن

سكونية الثقافة وقلق الشعب والوطن

نشر في: 8 ديسمبر, 2024: 12:40 ص

ياسين طه حافظ

لا أُخفيكم اني أفكر بالتوقف عن الكتابة بعد ان ساء بصري حتى لم اعد ارى إلا بعسر. وحتى بتّ انتظر العملية او يوم إنقاذ ما تبقّى منه.. ولكن لسبب ربما هو الديدن او "السَوْلة" او ساديّة إيذاء النفس، قلت لاكتب اليوم ولغدٍ حكمُه.
لا ارضى لنفسي اعلاء الاستياء والمبالغة في عدم الرضا مما يسؤنا او نأسف له ومنه أسفاً لا يخفى.
ففي زمن نشهد فيه جديد العلوم والصناعة ونفغر الافواه بازاء ضخامة وارعاب الاسلحة الجديدة والقدرة على الفتك والتدمير، ويتكشف لنا ما يخطط للمنطقة البترولية بكاملها، ونشهد جيوشاً انتقامية وطامعة، بلغت درجة في التدريب والقدرة على الابادة وتدمير المدن، فكأنهم امضوا كل سنين الهدوء التي مرت علينا بصنع السلاح وشراء السلاح والتدريب على السلاح وعلى التثقيف في اساليب الفتك والتدمير. انت لا تستطيع لوم عدوك، على فعل ذلك. عليك ان تلوم نفسك، وان تفهم العالم حولك وتتسلح وتتثقف بما يجب علماً وسلاحاً وتربية وطنية واقتصاداً ومصادر مال وتموين ومستجدات ثقافة.اعلم جيداً انها مخططات دولية مستقبلية، تلك التي تترصدنا ولا تخفي تهديدها، واعلم ان لها مستشارين ومراكز بحوث وتفاهمات دولية.. لكن هذا يوجب ان نزيد من الحيطة والاستعداد، لا باتجاه الشر و ردّ الشر لكن باتجاه بناء مستقبل اغنى واصلب ركائز ومقومات.
على خلاف حركة الثقافة في العالم اذ تتوالى الظواهر بانتظار الجديد القادم، نجدنا في حال آخر. ان امرنا حقيقة عجب اذ يتضخم عندنا ما يبدو للعالم وللعقل، اعتيادياً ولاضرورة للتوقف عنده.. فنحن مثلاً، ومنذ اكثر من عشرين سنة ولا ازيد، منشغلون بقصيدة النثر التي كتبها ونشرها عدد من الاوربيين، لا في القرن التاسع عشر، كما يقال، ولكن في اوائل السابع عشر، ويوم كتب هودار لامونت: "1611-1682" ان الابيات الشعرية ازعاج، فالنكتب نثراً. يستطيع النثر ان يعبر عن كل ما تقول الاشعار المنظومة، لانه اكثر دقة ووضوحاً ونشاطاً. فهو لا يعذب الفكر بامور القافية والوزن، فالنتخذ قرارنا ونعطٍ الجمهور اناشيد ليست شعراً…".
هو لم يكن بصدد ابتكار الشعر الحر، بل ادرك ان "الوحي" الحق في ابتكار شكل كما يحلو له. وكتب هذا الرجل الالياذة نثراً واختزلها باثنى عشر فصلاً.
اذا كان الشعر مهدداً في كل تاريخه من طرف البلاغة، فان هذه الاخيرة لم تنتصر بشدة اكثر من انتصارها في اليوم الذي كتب فيه لا موت النشيد الذي اعطاه عنوان:"البلاغة الحرة" عن (ازمة الوعي الاوربي– بول هازار) فاختفى عنده الوزن والقافية. وهكذا لا قضية شائكة و لا استمرار كلام فيها… هكذا المبدعون اراد نثراً فكتب نثراً! انتهى. انتقل الى موضوع آخر لا مقالات ولا بحوث ولا اطاريح ولا مؤتمرات..
ايضاً، وردت في بعض مجلاتنا او ترجماتنا نماذج من "الهايكو" الياباني. الهايكو يعود الى القرن الثاني عشر، اي قبل اثنى عشر قرناً ظنه الناس عندنا جديداً او من ظواهر الحداثة فتسابقوا للتجديد"!
حسناً الهايكو مقطوعة موزونة بعدد ابيات وقوافٍ. والهايكو، للعلم ليس واحداً، ولكن ثلاث مراحل او مدارس او اشكال. حسب نظام القوافي، وانتم تكتبون نثراً! اكثر من هذا يظهر من يكتب هايكو مصري! ليس هذا فقط ولكن هايكو عراقي وحتى هايكو بصري… واكثر من هذا يعقد مؤتمر او مهرجان عن شعر الهايكو، واليابان صاحبة هذا الشعر لم يعقد في تاريخها كله مؤتمر للهايكو بل تعقد مؤتمرات للشعر الياباني هكذا السعة بازاء هذا الضيق: حسناً ان انساناً ذكياً انتبه فأضاف عبارة "والنص القصير" فانقذ الحال وخفّف من التساؤل. ما علاقتكم انتم بالهايكو؟ أبدعتموه؟ هل نشأ في بلادكم؟ هل انتقلتم به الى مرحلة اخرى من التطوير؟ حسنا، اكتبوا على غرار اي شكل بلا استعراضات وكأن جديداً يفاجيء الثقافة او يثير العالم.. والحال مشابه في الترجمة. فما ان يترجم احد كتابالشاعر حتى يبدأ التراكض لترجمة ما ظل منه.. وما ان يترجم كتاب لكاتب حتى كأن لا سواه مهماً في العالم لماذا؟ هل من سبب آخر غير الفقر الثقافي والجهل بالاسماء المهمة في آداب العالم؟ ولماذا الادب وحده لماذا تترك الدراسات التاريخية الحديثة، الفكرية، كتب الحقول المدنية الاخرى، كتب الاديان والعقائد، كتب الرحلات وكتب السيرة، وكتب الفن، عن الرسم، السينما، التصوير…؟
شخصية المترجم بما يترجم من جديد، ان يترجم لنا ما لم نعرفه: او لم نسمع به، او يترجم أثراً مهماً لمفكر او اديب او عالم تاريخ او سياسة دولية وفن،وان يكون المسعى لتكامل واغناء وتطوير الثقافة. واقع الحال في النشر او في مناهج الاكاديميات ودراساتها ان الثقافة تدور على نفسها، فلا جديد الا عنوانات واسماء، والنادر منها للاسف لا يشكل ظاهره. هذا في الادب، ومثله في حقول الثقافة، هي تلك السكونية والتكرار، وهي تلك الدراسة التي لا جديد فيها والتي تعتمد مصادر مكررة وموضوعات مكررة، قليل جداً جديدها والفلسفة تعطينا قطرات الانقاذ من الموت ودراسات العقائد هي هي وجديدها القليل منكمش من الخوف والحذر. اظننا جميعاً غير مقتنعين بالمتوافر وسط عصر صاخب بالحيوية والمستجدات أدباً وعلماً وصناعة وافكاراً وبرامج. نعم لا يمكن ان نقتنع بثقافة راكدة وفضاء لا يتجدد هواؤه. مناهج الاكاديميات الادبية والانسانية الاخرى تحتاج الى حركة تجديد ومفردات درس حديثة تغنيها وتمنحها روح وحيوية عصر متغيّر. وان يشمل هذا النشاطاتِ الاجتماعية ونوع الندوات والمؤتمرات، لا الرتيبة التي مللنا من موضوعاتها ومن محدودية آفاقها والتي نادراً ما تجدي.
تريد مؤتمرات، تريد مهرجانات ولقاءات وراءها نتائج عملية ملموسة، ولا تكون لهواً. نريدها فعلاً ايجابياً لتحديث ثقافة وبناء مدنية. وهذا مطلب كلنا نريده ولا خلاف عليه..
أقدر كل التقدير عمل من يعملون ويسهمون فهو هذا مدى ما يتيسر لهم، والممارسة موضع تقدير. ولكني مثهم طموحٌ لثقافة فاعلة اكثر خصباً ولظروف تساعد على التقدم. هذا الحال الثقافي، موضوعات ومستوى، لا ننتظر منه غير ان يكرر ويعيد، والجديد القليل اذا ما وجد فهو اما غير مفهوم واما هو خائف حذر، اذن لا منافسة ثقافية مع العالم ولا حضور يشار له، ولا استجابة لفقر شعب ولا توافر ضرورات حياة مدنية وسيظل الناس يعيشون كما في الحروب بحصص تموينية وبرعاية اجتماعية كما في الكوارث وصحفيوه ومثقفوه ينتظرون منحة عون سنوية. هي اعمال طيبة لكنها للازمنة الاستثناء ازمنة الحروب والكوارث لا للازمنة الطبيعية الامنة، اذ يعيش الناس كما تعيش الشعوب التي منّ الله عليها بنعمة شاءها تكون لعباده رزقاً.. الاحوال غير الطبيعية لها زمن وتنتهي لتستقر البلاد ويستقر ويتحسن حال الناس ومستوى عيشهم. نحن لا نتمنى مطلباً صعباً ولا مستحيلاً على بلد بدأ يستقر وفيه ثراء…

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مخاوف تسلل "داعش" من سوريا تتزامن مع حوادث "مريبة" في كركوك

المجلس العراقي للسلم والتضامن يعقد مؤتمره الخامس وينتخب قيادته

الرئيس مسعود بارزاني يحيي المؤتمر

كلمة فخري كريم في المؤتمر الخامس للمجلس العراقي للسلم والتضامن

الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

 علي حسين في قراءة الكلمات التي كتبها الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الامارات، وهو يهنئ الفنان العراقي ضياء العزاوي لفوزه بجائزة " نوابغ العرب " ، نعيد اكتشاف تلك المقولة التي كتبها...
علي حسين

قناديل: هدايا (الرفاعي)

 لطفية الدليمي كلُّ كتابٍ ينشره الدكتور عبد الجبار الرفاعي هو هدية حقيقية لقرّائه. أسبابُ هذا كثيرة لعلّ أوّلها هو حفره في أرض صلبة كأنّها الصخر. هو يعرف قبل سواه أنّ هذه التربة الصخرية...
لطفية الدليمي

قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

طالب عبد العزيز في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم،...
طالب عبد العزيز

الإبداع وروح الأسرة

ياسين طه حافظ هو هذا ما نحتاج له، احياناً من دون ان ندري واحياناً، وهي ساعات الوعي، ندري ونسعى لان نمتلك ونمارس. ما اتحدث عنه، هو الحميمية التوافقية، او "الاسرية" في خلق بيئة، وسطٍ،...
ياسين طه حافظ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram