TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: يحدث في سوريا ما قد يحدث في العراق

قناطر: يحدث في سوريا ما قد يحدث في العراق

نشر في: 8 ديسمبر, 2024: 12:41 ص

طالب عبد العزيز

أيئستَ من انتصار أهلك بغزة؟ أما زال قلبك يتفطرُ كلَّ يوم بسماع أخبارهم؟ أحزين على ما حدث بجنوب لبنان؟ أيمكنك أنْ تشيحَ بوجهك عمّا يحدث في سوريا؟ أمرعوبٌ بما قد يحدث في العراق؟ أتنتظر شيئاً يحدث أكبر من هذا؟ نعم، أنا كلُّ ذلك اليأس والالم والحزن والرعب والانتظار والله! ذلك لأنَّ الأنظمة أبيضها وأحمرها وأصفرها وأخضرها وبكل ألوانها على ارض العرب قذرة وخائنة وعميلة، وأنَّ الديكتاتوريات والملكيات والرئاسات والاسر الحاكمة في العواصم القديمة والجديدة لم تترك لي ما يمنعني عن احتقارها. ترى، ماذا أفعل؟
مثلُ كلِّ السوريين لن أذرف دمعة واحدةً على رحيل آخر بشّار في أسرة الأسد، مثلما لم أذرف دمعة واحدةً على رحيل آخر صدام في حزب البعث، ولن أذرف دمعة واحدة على رحيل أيِّ زعيم حزب دينيّ اليوم أو الغد، فهم وراء ما حدث ويحدث في مشرقنا العربي. إذا كان الملوك والرؤساء الطغاة الدكتاتوريون قد سمموا حياتنا، وأذلونا، وانتهكوا حرماتنا، وجعلوا أيامنا مظلمة، وجعنا وعرينا وفجعنا بأعزِّ أهلينا، وكنا نخاف من أولادنا ونسائنا وجيراننا في أزمنتهم فقد مزّقَ زعماءُ الأحزاب الدينية والطائفية نسيجنا الاجتماعي، وسرقوا حياتنا باسم اسلامهم الكاذب، وشوهوا طفولتنا، وأكرهونا في اسرنا، حتى صرنا نخشى على بناتنا منهم، وعلى أولادنا من جهلهم، وعلى أموالنا من أيديهم، وعلى بيئتنا من خرابهم، وعلى ربنا من قسوتهم، وعلى نبيينا من أسمائهم، أرجعونا الى ما غادرته شعوب الأرض من التخلف والخرافات، وأوثقوا مصائرنا الى نوق وحمير عقولهم عن أيٍّ من أفعالهم أحدثك؟
تجلسُ وحدكَ، تريد أنْ تنأى بنفسك عن هؤلاء وهؤلاء، وعن البلاد التي انبتتك، وحملتك، وأطعمتك، وغذّت روحك، عن تاريخها، وماضيها ومستقبلها، وعن حلوها ومرّها، عن شموسها واقمارها واشجارها وعن كلِّ شيء فيها، معتقداً أنَّ في ذلك خلاصك! أنْ فيه نهاية حزنك.. لكن، الى اين ستذهب؟ وأيّ الجهات من الأرض تصلح وطناً لما ظلَّ فيك من المباهج والآلام؟ وهل سيكون بمقدورك حمل حقيبة أكبر من حقيبة الفقد والهزيمة والتنكر والخسران؟ تبحث عن لقمة أخيرة، وعن فراش أخير، وعن امرأة أخيرة، وعن حانة صغيرة أخيرة، وعن قارب أخير؟ أقادرٌ أنت على مطالعة لوائح مواعيد اقلاع الطائرات، ووصول القطارات؟ وهل تبصر في المدن الجديدة ما هو جديد فعلاً، وهبك كنت قادراً، مقتدراً! من ستصحبُ من أصدقائك الكهول وهم يزدادون عُصياً وعكازات، وهم لا يجدون بين شفاههم إلا ما يخوضون فيه من حديث الفياغرا والنساء المتوهمات!
يكذب عليك المعلن على اللوح الأزرق عن علاج تهيّج القولون فتصدقه، ومثله تفعل مع المعلن عن علاج تصحيح النظر، وكذلك يفعل بك بائع العطور والملابس والاحذية.. تتردد في البداية لكنك سرعان ما تنصاع لهذا وذاك، معتقداً بأنَّ ما تصلحه في بطنك وعينك ورقبتك وقدمك سيجعل من حياتك حياةً ثانيةً، أو هي مما يشبه ما تطالعه في لوحات المعلنين الزرق. واضح أنك تنشغل بجسدك أكثر من انشغالك بقضايا الامة وحروبها وهزائمها وانتصارات رجالاتها الوهميين، ذلك لأنك تعلم بأنهم أفسدوا حياتك عليك، وضيقوا من فتحة الامل في روحك، وأنهم شغلوك بجسدك لكيلا تشغلهم بك، لذا، أرجوك وأنت تجرجر آخر عظامك الى السرير لا تنسى قرص المنوم، خذه، فلن تشرق شمسُ الغد على شيء يستحق حياتك وألمك وغضبك وضياعك بعد أنْ سمم الهؤلاءُ كلَّ شيء حولك. نم يا عزيزي نم، نم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram