علي عبد السادةبينما أنهت"الشراكة"أزمة الحكم واستؤنف العراق الجديد بوصفة ترضيات، دخل الليبراليون السلطة بحصة، لا بأس بها، فنزعوا لها الهوية وتماهوا مع السائد:"الميل الجارف نحو حكم شمولي".حدث هذا، ورجالات التشدد والتطرف يخلعون وجوه الانتخابات اللطيفة، وبدأت إعلاناتهم الباهظة الثمن تسقط، بمراسيم حكومية، مع أول أيام الوزارة الجديدة.
ووقع الجمهور، ومعه رأي عام وبعض أوساط الصحافة، في فخ كذبة"الدولة"ومزحة"القانون". بينما لا يزال البحث قائما عن الليبراليين والعلمانيين والديمقراطيين:أين ذهبوا؟ هل اختفوا خلف ستائر مكاتبهم الجديدة؟ أين هم من انقلاب تحت الطاولة على هدف التغيير؟ لا احد يرتفع مع حجم الأزمة صوتا مجابها لعاصفة ديكتاتوريي العراق الجدد.وكانت هذه خسارة جديدة؛ سقط الرهان على كتلة ديمقراطية بدت وكأنها شبح نقرأه فقط في تنظيرات فقهاء نائمين.ومع أن واقع الحال يشير إلى عدم الرغبة في فتح جبهة مع الإسلام السياسي بينما يتفشى الجهل وتتغذى الجماهير العريضة بخطاب عصبي مشحون يعطي إمكانية التكفير والترخيص المشفر بالقتل، وتفضيل البعض الصمت على خسارة الأرواح لانتشار أشباح الكواتم، لكن الشراكة في السلطة تتيح لنعامة الليبراليين إخراج رأسها من الحفرة، كأضعف إيمان الديمقراطيين المزعومين.حين اشتعلت معارك الحريات ومواجهات غير محسوبة النتائج مع الفساد وصدامات مع الاستغلال السيئ للسلطة ومجابهات مختلفة مع ضاربي الثقافة والحريات، كان متوقعا، أو قل منتظرا، أن يفصل محسوبون على الليبرالية حزامهم عن كرسي الوزارة للحظات ويطربونا بصوت المعارضة. كيف مرت قرارات تضرب الدستور دون أن يفتح احدهم فمه؟! إذا كانت أحزاب الإسلام السياسي، بمن يتصدر مشهد القرار، تجزم بديمقراطيتها، فأسف لأنها ستخفق، مهما حاولت، في تقديم الدليل. لكن الديمقراطيين اليوم عليهم تقديم دليل واحد على أنهم ديمقراطيون حقا. لقد تركوا شارعا يواجه، بالخوف والرعب، خطر القمع وسطوة الفاسدين. البرامج الانتخابية أعلنت بعد التوزير، وليس قبل ذلك، أو لنقل أن النسخة الحقيقية لمشاريع تلك القوى أزيح عنها لثام الدعاية فور الانتهاء من"تصفيف"الحصص وترتيب المناصب في الجيوب. وكل ما بذل عبر مكبرات الصوت أيام الحملات الانتخابية لم يكن سوى طُعمٌ ديمقراطي لم يزل حتى الساعة عالقا في حلق الناخبين.الأزمة لا تتعلق فقط بعشوائية إدارة الدولة، ووصول الفاسدين إلى قبضة أركانها وصعود المزورين والمتزلفين إلى رأسها، ولا ترتبط، فقط، بنفاق السلطة حين تكره الفساد وتعلن الحرب عليه بينما تتحفظ على كرامات المختلسين ببركة العفو تارة و التستر عليهم تارة أخرى. الأزمة في جوهرها، إلى جانب هذه الكوارث، انحراف حاد عن مسار لولاه لما كان التغيير، وما كانت الانتخابات، وما كان أصلا برلمان وحكومة. وبه، هو ذاك الخطر الشمولي البين الظاهر يوما بعد آخر، لن تقوم لحكايتنا الديمقراطية أية قائمة.فان تمرر الحكومة حيلة الصمت على الفساد، وفلم الكهرباء، على (لحية) العراقيين، وان تظهر كلاعب بارد محايد في معركة الحريات وبقاء المسيحيين، وان يفتتح وزير أول اجتماعا مع اكبر موظفيه بمواعظ وحكم عن الشريعة والفقه، وهو ليس وزيرا للأوقاف، دون أن يستغرق في أمور الصالح العام، وان يطرد آخر موظفات لان لباسهن لا يعجبه ولا يليق بعينه الزاهدة، فان جماعات سياسية (فائزة) تقترف جرما في حق حلم الدولة ونعمة التنوع، سيتحول طيفا، ثم مجرد أمنية مستحيلة. وهذا يأتي بمشاركة ليبرالية متميزة.ما صعب الأمور وقلص فرص التكافؤ في مواجهة المتشددين، ليس الأحزاب الإسلامية المتطرفة، فذاك مشروعها ولن نتوقع من منظريها إنتاج دولة مدنية، ذلك يضرها ويناقضها. أما وان يصمت أصحاب المشروع المدني، ويهربون بعيدا نحو منافعهم الجديدة، ليتفرجوا، فذاك سقوط علني ونفاق برسم الاكتفاء بكذا كرسي ومنصب ولتذهب أحلام الناخبين إلى الجحيم.
فــــارزة :ليبراليون قبضوا.. وناموا

نشر في: 30 يناير, 2011: 09:13 م