بغداد/ تميم الحسن
تأتي ذكرى انتصار العراق على تنظيم "داعش" هذا العام في ظل ظروف استثنائية تشهدها المنطقة، بعد التطورات الأخيرة في لبنان وغزة، والمخاوف من تمدد فصائل ذات خلفيات "جهادية" تسيطر على أغلب سوريا.
في المقابل، ما زالت المدن العراقية التي كانت تحت سيطرة التنظيم تعاني من تبعات ما حدث قبل سبع سنوات؛ إذ لم تُصرف التعويضات، ولم يعد المُهجّرون إلى ديارهم، ولم يُغلق ملف "المغيبين". كما أن الفصائل المسلحة ما زالت تؤثر في المشهد الأمني.
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أكد في خطابه بمناسبة ذكرى النصر على أهمية معالجة الثغرات التي مكّنت الإرهاب من التسلل في عام 2014.
وفي مثل هذه الأيام قبل سبع سنوات، أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي "النصر النهائي" على تنظيم "داعش"، بعد أكثر من ثلاث سنوات من سيطرته على نحو نصف مساحة العراق، وتشريد أكثر من ستة ملايين شخص إلى مخيمات الإيواء.
كانت كلفة الحرب باهظة للغاية؛ حيث بلغ عدد الضحايا نحو 50 ألف قتيل بين مدني وعسكري. وقدّرت كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 100 مليار دولار، فيما بلغت تكاليف الجهد العسكري حوالي 300 مليار دولار.
وفي خطابه الأخير، أكد السوداني أنه "لم يعد للإرهاب اليوم موطئ قدم في أرض العراق، وليس لفلوله إلا الهزيمة والفرار أمام قواتنا المسلحة".
في العاشر من كانون الأول 2017، أعلن العبادي أن هذا اليوم سيصبح عطلة وطنية تُحتفل سنويًا، إلا أنه لم يُدرج ضمن قانون العطل الذي أقره البرلمان في أيار الماضي.
وبث التلفزيون الرسمي حينها أغانٍ وطنية احتفاءً بالقوات الأمنية والحشد الشعبي، مع عرض مشاهد احتفالات في شوارع بغداد والمحافظات الأخرى.
هذا العام، تتزامن ذكرى النصر مع سيطرة فصائل سورية (هيئة تحرير الشام)، على النظام هناك بعد فرار الرئيس بشار الأسد.
يرأس هذه الجماعة أحمد الشرع، المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.
صفاء الأعسم، وهو لواء سابق، يعتقد بإمكانية عودة التنظيم في العراق بعد الأحداث الجارية في سوريا، ويتفق معه أحمد الياسري، الباحث السياسي المقيم في أستراليا، الذي يحذر من تحركات محتملة للخلايا النائمة، في تصريحات لـ(المدى).
ورغم الاحتفال بالنصر في عام 2017، أكد العبادي حينها على ضرورة البقاء في حالة استعداد وحذر لمواجهة أي تهديد إرهابي جديد، مشددًا على أن الإرهاب عدو دائم، والمعركة معه مستمرة.
بعد ستة أشهر من إعلان النصر، قال العبادي إن هناك إجراءات سريعة وعمليات نوعية للقضاء على خلايا "داعش" التي تحاول شن هجمات خارج المدن.
ومنذ ذلك الحين، نفذت القوات العراقية نحو 20 حملة أمنية لتمشيط أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، مع التركيز على صحراء الحضر جنوب الموصل، والأودية القريبة من الرطبة جنوب غرب الأنبار.
القلق على الحدود
في الأيام الأخيرة، يتابع الفريق عبد الأمير يارالله، رئيس أركان الجيش، الأوضاع على الحدود مع سوريا خشية تسلل مسلحين.
ورغم ذلك، تُصر القيادات العسكرية على أن تنظيم "داعش" لم يعد قادرًا على التحرك بشكل فعال داخل العراق، بالرغم من تنفيذه هجمات متفرقة بين الحين والآخر.
وقبل يوم من "ذكرى النصر"، اشتبكت قوات الأمن العراقية مع "إرهابي" مطلوب للقضاء في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، ما أسفر عن فقدان ضابطين اثنين.
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن "الإرهابي" كان سجيناً في سوريا وفرَّ بعد سقوط النظام هناك، قبل أن تنفي السلطات العراقية صحة هذه الأنباء.
وتبنى "داعش" الشهر الماضي "عملية نوعية"، وفقاً لوصف خبراء، في محافظة كركوك، حيث زرع عبوة ناسفة في بئر نفطية، ما تسبب بمقتل وإصابة ستة عسكريين، بينهم ضباط برتب رفيعة.
ويستغل التنظيم فراغات أمنية في "المناطق المتنازع عليها"، التي تمتد على مسافة أكثر من 560 كيلومتراً، من خانقين على الحدود الإيرانية (شرقاً) إلى منطقة سحيلة على الحدود السورية (غرباً). يصل عرض هذه الفراغات الأمنية في بعض المناطق إلى 50 كيلومتراً.
وتتمركز القوات الاتحادية وقوات البيشمركة على خطوط متقابلة على طول تلك الفراغات. ومنذ عام 2019، تم تشكيل "لواءين مشتركين" لسد هذه الفجوات، إلا أنها "لم تستقر حتى الآن في مواقعها"، بحسب خبراء.
هل تعود "داعش"؟
وعن إمكانية عودة "داعش" إلى العراق، قال أثيل النجيفي، القيادي في حزب متحدون، إنه "لم تبقَ أي إمكانية لعودة داعش، ليس فقط للسيطرة على مناطق، بل حتى للتأثير كعمل إرهابي خطير".
وأضاف النجيفي، في مقابلة مع صحيفة (المدى)، أن "داعش فقد البيئة التي يمكن أن تعمل فيها، ومن تبقى من عناصرها أتعبتهم الأحداث والسنوات، ولم تعد لديهم القدرة على الحركة كما كان الحال سابقاً".
وتشير تقديرات حكومية وأخرى غير رسمية، إلى أن ما تبقى من التنظيم في العراق يتراوح بين 2000 و3000 عنصر، موزعين في مناطق معزولة.
ويرى النجيفي، الذي كان محافظاً لنينوى أثناء سيطرة "داعش" على المدينة في 2014، أن "ظهور جماعات أخرى جديدة بأفكار ومفاهيم متطرفة قد يكون أمراً وارداً، ويعتمد ذلك على طريقة تعامل الحكومة العراقية مع الأوضاع الإقليمية القادمة، خاصة بعد انحسار النفوذ الإيراني في سوريا، واحتمالات الضغط الأمريكي على العراق للحد من نفوذ إيران".
وتذهب بعض التحليلات إلى أن العراق قد يكون الوجهة المقبلة بعد سوريا، ما دفع أجنحة داخل المنظومة السياسية الشيعية إلى حث الحكومة على التحرك، وعدم انتظار ما سيحدث في دمشق خلال الأيام المقبلة.
ملفات مفتوحة
في هذا السياق، قال زياد العرار، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، "لكي تكتمل فرحة النصر، يجب أن يكون قادة البلد والسياسيون على مستوى عالٍ من الوطنية، وأن يقدموا مصلحة المواطن والوطن على مصالحهم الحزبية".
وأضاف العرار، في حديثه لـ(المدى)، أن على الحكومة والجهات المعنية "غلق الملفات التي خلفها داعش، مثل إعادة المهجّرين إلى مناطقهم ومنازلهم. فليس من المنطقي أن يبقى الناس لاجئين رغم تحرير منازلهم في أكثر من منطقة".
حتى الآن، لا تزال مدينة جرف الصخر، جنوب بغداد، خالية من السكان، بالإضافة إلى مناطق العوجة والعوينات في محافظة صلاح الدين، وقرى أخرى شرق المحافظة وفي ديالى.
كما ان ملف "المغيبين"، لم يحسم حتى الان، فيما لو أن المفقودين في السجون، أو أنهم قتلوا أثناء العمليات العسكرية ضد "داعش".
ودعا العرار إلى "إنهاء ملف التعويضات، ومساعدة المتضررين من الإرهاب، وحتى أولئك الذين تضرروا جراء العمليات العسكرية، بمنحهم تعويضات مناسبة من قبل الدولة".
كما طالب الباحث بأن تضبط الدولة وأجهزتها الخطاب السياسي والإعلامي المتعلق بهذا الملف، وأن تنتهي المزايدات، مثل القول: "نحن من حرركم" وما شابه.
وأكد أن "تحرير المدن ومحاربة الإرهاب كانت بجهود القوات العراقية بكل صنوفها، وبمساندة العالم كله".
وحذر العرار من عودة الخطاب الطائفي أو المذهبي، مؤكداً أن هذا الخطاب يعكر "صفو الانتصارات"، على حد تعبيره.