اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ثـورة حريـات أم ثورة جيـاع؟

ثـورة حريـات أم ثورة جيـاع؟

نشر في: 31 يناير, 2011: 05:15 م

طارق الجبوريابتداءً لابد من القول أن عنوان الموضوع مستوحى من شعار رفعه المتظاهرون في " جمعة الغضب " التي انتشرت في مدن مصر يقول إنها "ثورة حريات وليست ثورة جياع" في محاولة منهم كما يبدو لنقل رسالة تقول ان ما جرى ويجري في مصر مرتبط بمطالبة مشروعة للمواطنين هناك بالحريات ، التي بدونها لا يمكن الادعاء بإمكانية إجراء إصلاحات سياسية أو اقتصادية .وبغض النظر عما ستؤول إليه الأحداث التي تشهدها مصر في ضوء تصعيد الموقف بعد الخطاب المتأخر للرئيس حسني مبارك ، وبعيداً عن التدخل في الشأن الداخلي المصري ، أو غيره مما يحدث في بلدان أخرى كاليمن أو الأردن او الجزائر ،
 فإن ما يجري الآن من مطالبات شعبية واسعة وغاضبة ، وقبلها ما حدث من تونس ، يؤشر إلى وجود هوة وفجوة  كبيرتين بين المواطن والسلطة في مجمل الأنظمة العربية ومن بينها العراق . ان النهج الديمقراطي وترسيخه في مجتمعاتنا يحتاج إلى أكثر من قوانين ودساتير اعتاد البعض من المسؤولين  القفز عليها بشتى الحجج . فجوة تحولت إلى أزمة أشعلت شرارتها عقود طويلة من المعاناة والمرارة وما رافقهما من جوع وحرمان وفقر عانتها الأغلبية من المواطنين  مع حملات قمع لم يسبق لها مثيل، في حين كان المسؤولون يغضون الطرف عن كل ذلك ولم يعتبروا من دروس الهزائم والنكسات التي كان يدفع ثمنها المواطن ، في حين يغرق المسؤول نفسه بهالة من الشعارات وحملات انتخابية اعتاد المواطن على تجييرها لصالح " الرئيس " أو" القائد " وحزبه ، دون سواه .أن مجمل الأنظمة الاستبدادية لم تستفد من تجربة الاتحاد السوفيتي وانهياره السريع في تسعينيات القرن الماضي وما تبعه من انهيار الأنظمة الاشتراكية الأخرى التي كان سببها الرئيس تعطش هذه الشعوب إلى الحريات ليس غريباً أن تكون الأغلبية الساحقة من المتظاهرين والمطالبين بالتغييرات وإصلاح الأوضاع ، هم من الشرائح المسحوقة ، التي كان قدرها ان تضحي على مر السنين وتكون وقود نزوات ورغبات أنظمة لم ترد أن ترى غير ما تريده ، لكن هذا لا يعني أن الثورات الشعبية التي بدأت في تونس سببها العامل الاقتصادي  فقط على أهميته ، بل أن الكبت والحريات الصورية وكم الأفواه والاعتقالات العشوائية ، هي من حرك هذه الجموع التي لم تجد غير التظاهر سبيلاً للتعبير عن نقمتها على الأوضاع بمجملها سياسية واقتصادية واجتماعية .من يقرأ تاريخ الثورات عبر التاريخ ومنها " كومونة باريس " لا يمكن إلا أن يجد أن الطغيان كان المحرك الأساس لها ، وان لا انفصال بين مفهوم  الحريات والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص ، وان لا حرية حقيقية مع الجوع ،وهو ما يؤكد ما نادى به الأنبياء والرسل والمصلحون  والمفكرون على مر الأزمان والعهود ، فلم تنجح  دعوة او ثورة دينية او غيرها دون أن تأخذ بنظر الاعتبار ذلك الربط الجدلي كما تقول الادبيات اليسارية بين الحرية بأوسع افقها وبين تحقيق العدالة الاجتماعية أو ما اصطلحت عليه الأدبيات اليسارية بـ" الاشتراكية " .لقد اراد المتظاهر الذي رفع لافتة " إنها ثورة حريات " أن يرد على أولئك المنظرين ممن أطلقوا على ما يحصل بـ " ثورة جياع "  محاولين الابتعاد عن حقيقة المشاركة الشعبية الواسعة لشرائح أخرى من المجتمع  تلاحمت مع المحرومين والجياع ، ليكون شعار التغيير الجذري مطلباً لكل المواطنين ، ولتكون الحرية العنوان الذي ينضوي تحته كل الشعب .إن المشكلة الرئيسة التي واجهت مجتمعاتنا العربية  وتفاقمت بعد عهود الاستقلال من الاستعمار بشكل خاص ، هي تلك الاستهانة بقدرة وطاقات المواطنين من قبل أنظمة شئنا أم أبينا استبدادية بكل ما تعنيه تلك الكلمة ، إضافة إلى تلك الثقافة التي حاول البعض تكريسها المتمثلة بنزعة ذلك الربط التعسفي بين  "الرئيس" والوطن وبأنهما واحد ، لذا فان هذه الأنظمة لم تعتبر من درس العراق وما حصل فيه بعد 2003 ، ولم تأخذ العبرة من درس تونس ، وأصرت على أن تمارس دوراً مخادعاً مع الجماهير من خلال إجراءات شكلية لا تمس جوهر المشكلة المتمثلة بأهمية إطلاق الحريات .ومن الغريب ان يلجأ البعض الى التقليل من أهمية ما جرى ويجري في تونس  او غيرها ويقول ان من السابق لأوانه القول أن ما يجري ثورة ، محتجاً على ان للثورة شروطها ، متناسياً عن عمد ان من أول شروط الثورة الحقيقية هو ذلك الزحف الشعبي الرافض للإصلاحات الشكلية وإصراره على أن تكون التغييرات جذرية وكبيرة تمس مجمل الأوضاع العامة السياسية في مقدمتها ، لذا فان ما يجري هو ثورة من اجل الحريات ، اجتمعت ظروف عديدة لانبثاقها وتوسيع أفقها  ،في مقدمتها  تلك الأساليب العقيمة التي تعتمد الإجراءات البوليسية في محاولة كبح التظاهرات الشعبية التي بدأت سلمية في كل من تونس ومصر على حد سواء وتطورت لتصل إلى ما هي عليه ، دون أن نغفل ما قد تسفر عنه الاحتجاجات في دول عربية أخرى مثل الجزائر واليمن والأردن وغيرها. ما نتمناه أن ينتبه المواطنون في مصر إلى البعض ممن يحاول أن يشوه صورة ثورتهم ، بعمليات نهب وإحراق للممتلكات العامة والخاصة ، وان يسارعوا لوضع آليات تحفظ للثورة صورتها البيضاء النقية من كل دنس .  وأخيراً أنها ثورات ضد الظلم والطغيان  ومن اجل حياة كريمة  وعلى الجميع أن يعي دروسها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram