طالب عبد العزيز
يحدثُ في جنوب البلاد أنَّ صبيّاً مازال طالباً في المدرسة الابتدائية راح يحدِّثُ جدَّهُ بحديث الجنة والنار، وحديث كفران تارك الصلاة، ونجاسة بدنه، وخطورة وجوده بين المسلمين، وأنَّ قبور الاولياء وأئمة أهل البيت هي أجمل مكان في الدنيا، لأنها في الجنة، وأنَّ الامام الحسن هو أكثر أئمة أهل البيت مظلوميةً، لأنه دفن في مقبرة البقيع، وأنَّ السعودية لم تعتن بقبره، وأنَّ الامام المهدي حال ظهوره سيُخرجُ أعداءَه من قبورهم، أولئك الذين قتلوا جدّه الامام الحسين، وشاركوا في معركة الطف، وهناك مغفرة ورحمة لا وجود لها إلا في الذهاب الى كربلاء وزيارة مقبرة النجف، ففيها يشعر الانسان بالراحة، والطمأنينة، والتطهير من الذنوب، وهناك ناس أسمهم نواصب يناصبون العداء الى أهل البيت.
ترك الجدُّ سبْطهُ يسترسلُ في كلامه، حتى انتهى منه، فسأله ما إذا كانت معلوماته قد استقاها من المدرسة أم من مكان آخر! فأجاب بأنُّه لم يسمعها من معلم التربية الإسلامية، إنّما من اشقائه وأصدقائه الأكبر منه سناً، فتنفس الصعداء شاكراً، ذلك لأنَّ المدرسة لم تسمح بذلك، أو تمتنع عن تناول مواضيع مثل هذه، فهي تكرّس من قضية الطائفية، والتي يتضحُ ضرُرها في جملٍ كثيرة من أقوال الصبيّ. لكنَّ الجدَّ ظلَّ حائراً في توجيه سبطه الوجهة التي يجب عليه، فيما كانت أخبار زيارة وزير الدفاع الألماني ووزير الخارجية الأمريكي الى بغداد ولقائهما بالسيد السوداني، والرحلات المكوكية بين بغداد وعمّان والرياض وواشنطن تنذر بما هو أسوأ وتشعل الحرائق في فؤاده.
ويحدثُ في شمال البلاد أو في غربها أنَّ صبيّاً مازال طالباً في المدرسة الابتدائية راح يحدِّثُ جدَّهُ بحديث الجنة والنار، وحديث كفران تارك الصلاة، ونجاسة بدنه وخطورة ووجوده بين المسلمين، وأنَّ النار ستلحق بالذين يشتمون الصحابة والسيدة عائشة، وأنَّ البكاء واللطم وزيارة القبور والتمسك بالأضرحة ليس من الدين بشيء، وأنَّ المسلمين مأمورون باتباع سنة النبي، وليس البدع التي يمارسها البعض، وأنَّ حرب الجمل وصفين والطف والنهروان هي حروب بين فريقَين مسلمَين، وأنَّ الله وحده هو صاحبُ الحقِّ في قول ما يجب قوله، وإدخال من يشاء الجنة أو النار، وليس من حقِّ أحدٍ تكفير هذا أو ذاك، وأنَّ هناك ناس اسمهم روافض يرفضون خلافة ابي بكر وعمر وعثمان.
يترك الجدُّ حفيده ويذهب بأفكاره الى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حين كان يقف بانتظار زميله الشيعي، الكرديِّ الفيليِّ، الموظف معه في وزارة النقل، ليأخذه الى الحفل الذي تقيمه عفيفة إسكندر في نادي المواصلات، وحيث سيجلسان معاً، على طاولة واحدة، يتنادمان ويتحدثان بحديث النساء والحدائق والتعليم والسفر والسياسة والسينما والاكلات الطيبة وغيرها مما يمسُّ جوهر الحياةَ وتلقائيتها في العيش الكريم الآمن، نعم، كانت هناك أحاديث في الدين والطائفة لكنها لم تطغَ على كلِّ حديث، فهي ثانوية دائماً، ذلك لأنَّهما يعلمان بأنَّ أسوأ الحديث ما كان دينياً طائفياً وأنَّ التعصب في الدين مثل التعصب في الايدولوجيا، كلاهما يخسف القلب ويودي بالمحبة، وأنَّ الحياة قصيرةٌ، ولا تستدعي خصوماتٍ كهذه.
في كلِّ مكان من العالم تسير الحياة على وفق متوالية تصاعدية نحو الأفضل، فيكون السبطُ والحفيد ثمرةً جهد وخبرة وتعليم الاب والجد في فهم العيش، الذي منه اللطف والعفو والتسامح ومصالحة النفس، وهو أمرٌ طبيعيّ، إلّا في بلادنا التي أصبح الجدُّ فيها يحار في فهم وتوجيه أحفاده وأسباطه الوجهة الصحيحة. هل نبحثُ في الأسباب؟ وهل كانت إلّا من مسؤولية الحكومة والمرجعيات الدينية؟ ولماذا لا نجدُ بيننا من يجرّم حديثاً كالذي نسمعه من صبياننا، الذين يخوضون في حقول ألغام الكلام التي أسس لها الظلاميون والقتلة وأصحاب المشاريع الطائفية، من المنتفعين؟ ما حدث في العراق في الفترة بين عامي 2007-2007 ومازال يحدث كان من صنع أيدي هؤلاء، ويكفي أنَّ نقول بأنَّ التجربة السورية تلوّحُ ببنادقها لنا، بما هو اسوأ اليوم. نعتقد بأنَّ طائرة وزير الدفاع الألماني وطائرة وزير الخارجية الأمريكي كانت قد مرّت بالشمال قبل أنْ تعبر بغداد الى البصرة فالرياض ودبي.
جميع التعليقات 1
د.علي محمد جواد الخطيب
منذ 16 ساعات
أُعجبتُ بالتناغم بين الحنين إلى الماضي الجميل وبين الحاضر المثقل بالهموم الطائفية والسياسية، وكأنك تقول الحل يكمن في العودة إلى البساطة الإنسانية والعيش المشترك الذي عرفناه يوماً. هذا الطرح الراقي يجمع بين السرد الوجداني والرؤية النقدية