بغداد/ تميم الحسن
تقع حكومة محمد شياع السوداني تحت ضغط شديد بسبب الأحداث في سوريا، حيث يُطلب منها "لجم" الفصائل المسلحة بشكل قاطع هذه المرة.
ووصلت هذه المطالب عبر رسائل من الخارجية الأمريكية إلى بغداد، وهو ما فُهم أيضًا من تصريحات المرجعية الدينية في النجف.
بالمقابل، لا يزال الداخل العراقي منقسمًا بشأن تداعيات الوضع في سوريا؛ فهناك من يؤيد التدخل حتى اللحظة.
وتقف الفصائل وبعض الفاعلين في المشهد السياسي الشيعي مع هذا الرأي، متماشية مع موقف طهران.
أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الذي زار بغداد بشكل مفاجئ، قال قبل مغادرته العراق: "دهشتُ عند وصولي لبغداد من الإنشاءات وحيوية العاصمة".
وكان بلينكن قد وصل مساء الجمعة إلى بغداد مرتديًا درعًا واقيًا من الرصاص وخوذة، واستُقبل في المطار من قبل دبلوماسيين أمريكيين.
ويقول سياسي مقرب من الإطار التنسيقي لـ(المدى): "واشنطن والدول الغربية تضغط على الحكومة بسبب الفصائل".
وأكد السياسي أن "بغداد واضحة في هذا الشأن بأنها لن تتدخل في الشأن السوري، ولن تسمح باستخدام أراضيها في الحرب".
وكانت بغداد قد أعلنت قبل شهر إجراءات عسكرية "غير مسبوقة" لملاحقة مطلقي الصواريخ في العراق.
وكشف مستشار حكومي في وقت سابق عن إحباط هجمات للجماعات المسلحة، لكنه لم يُعلن عن وجود معتقلين.
ونقلت صحف أمريكية عن وزير رافق بلينكن في زيارته للعراق أن الأخير طلب من السوداني "منع إيران من شحن الأسلحة أو المعدات الأخرى عبر البلاد إلى سوريا".
وقال إن وزير الخارجية "قدم الطلب بشكل وقائي لرئيس الوزراء، لأن طهران لا تمر حاليًا بالأسلحة عبر العراق".
وأكدت بغداد بالمقابل أنها "تدعم سوريا"، وترفض "الاعتداء" على الأراضي السورية.
وقد سيطرت جماعات مسلحة، الأسبوع الماضي، على السلطة في سوريا بعد فرار الرئيس بشار الأسد.
وجدد السوداني، خلال لقائه بلينكن، "موقف العراق الداعم لسوريا في هذه المرحلة المهمة"، بحسب بيان حكومي.
لكنه أكد أن العراق ينتظر "الأفعال لا الأقوال من القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا".
وشدد رئيس الوزراء على "ضرورة عدم السماح بالاعتداء على الأراضي السورية من أي جهة كانت".
يقوم بلينكن بجولة في الشرق الأوسط، في أعقاب الانهيار السريع لحكومة بشار الأسد أمام جماعات المعارضة في سوريا.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي للسوداني "دعم أمن العراق واستقراره وسيادته"، في تغريدة على منصة "إكس" عقب لقائه برئيس الحكومة.
وتوقفت زيارة بلينكن في بغداد، وهي محطة لم تكن معلنة مسبقًا، ضمن جولة شملت الأردن وتركيا، في إطار التحركات الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتنسيق الجهود الخاصة بالعملية الانتقالية في سوريا بعد هروب الأسد إلى موسكو يوم الأحد الماضي.
وانتقل بلينكن بطائرة نقل عسكرية من طراز "سي 17" تابعة للقوات الجوية الأميركية إلى مطار بغداد، قبل أن يستقل طائرة هليكوبتر إلى قلب المدينة للقاء رئيس الوزراء السوداني.
انقسام داخلي
بموازاة موقف الحكومة، هناك أطراف رئيسية في التحالف الذي يقود الحكومة ما زالت تتخذ مواقف تصعيدية بشأن أحداث سوريا.
هادي العامري، رئيس منظمة بدر وأحد زعماء "الإطار التنسيقي"، وصف ما جرى في سوريا بأنه "وصمة عار في جبين الأتراك والعصابات المدعومة منهم".
وقال خلال زيارته إلى الحشد الشعبي في قضاء طوزخورماتو: "الأتراك وأتباعهم في جبهة النصرة يدّعون أنهم إسلاميون"، متسائلًا: "كيف هم إسلاميون وهم ينفذون المشروع الصهيوني الخبيث؟".
ودعا العامري إلى "أهمية اليقظة والحذر وتعزيز الجهد العسكري لضمان ديمومة الأمن والاستقرار"، وفقًا لبيان صادر عن مكتبه.
كذلك اعتبر نوري المالكي، زعيم دولة القانون، أن ما يجري في سوريا "أمر مؤسف وهدفه تحريك الشارع العراقي".
واتفق المالكي مع العامري، في مقابلة تلفزيونية، حول الدور التركي فيما حدث في سوريا، وقال إن "إسرائيل تهدف إلى تقسيم المنطقة".
وحذر المالكي من "تحركات بقايا داعش في الصحراء والخلايا النائمة من حزب البعث البائد".
وبدأت أغلب الزعامات الشيعية بتوجيه تحذيرات خاصة للمناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش".
فالح الفياض، رئيس الحشد الشعبي، قال عند زيارته مقر قيادة عمليات الحشد في الأنبار: "سنكون قاطعين كحد السيف بوجه من يريد أن يعبث بأمن محافظة الأنبار".
واعتبر أن "نزع سلاح الدولة السورية وإبقاء جماعات مسلحة فقط يمثل تهديدًا".
ويواجه هذا الخطاب ما نقله ممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، خلال لقائه المرجع الأعلى علي السيستاني في النجف.
وأوضح الحسان أنه قام بإطلاع المرجعية على نتائج اللقاءات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية حول العراق.
وأكد في مؤتمر صحفي أنه "تمت مناقشة سبل تجنب العراق لأي تجاذبات قد تضر به".
دعم سوريا
وشهدت بغداد خلال الأيام الثلاثة الأخيرة كثافة في الاتصالات الدبلوماسية، حيث غادر السوداني يوم الأربعاء الماضي سريعًا إلى الأردن.
وبعدها استقبل رئيس الحكومة في بغداد وفودًا من قيادات عسكرية ودبلوماسية أمريكية، وأجرى اتصالات مع زعماء عرب وخليجيين.
يعتقد غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أن هذه التحركات الدبلوماسية تهدف إلى "حماية الوضع السوري الجديد".
وقال فيصل لـ(المدى): "إن وزير الخارجية الأمريكي يبحث عن ضمانات لسوريا بعد التغيرات الأخيرة، ومنع التدخلات الإيرانية".
ووصف مواقف طهران الداعمة لـ"المقاومة" بأنها "كارثية" في وقت تتحرر فيه المنطقة، سوريا ولبنان، من الهيمنة الإيرانية.
وكان علي خامنئي، المرشد الإيراني، قد هدد في خطاب الأسبوع الماضي بتوسيع "المقاومة" في سوريا ومناطق أخرى.
كذلك قال السفير الإيراني في بغداد، محمد كاظم الصادق، في تصريحات: "لا يوجد أي قلق من هجوم الإرهابيين على العراق، وفي مثل هذا الوضع فإن إيران ستساعد العراقيين".
ولفت فيصل، وهو يدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى إن "العالم يريد حماية المشروع الجديد في سوريا، والعراق دولة مهمة في دعم التغيير هناك".