بغداد / تبارك عبد المجيد
تعد بغداد واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العراق بفضل تاريخها العريق وثقافتها الغنية. حيث تضم المدينة مواقع أثرية ودينية متنوعة، وتزخر بالأسواق التقليدية والمطاعم التي تقدم المأكولات العراقية الأصيلة، مما يجعلها وجهة مثالية لاستكشاف التراث الثقافي الغني. تجمع السياحة في بغداد بين الماضي الأصيل والحاضر المتجدد، بالرغم من التحديات الكثيرة التي تعيق النهوض بهذا القطاع بسبب سوء الإدارة والفساد المؤسساتي.
وأعلنت المنظمة العربية للسياحة اختيار العاصمة العراقية بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، عقب مشاركتها في اجتماع الدورة الـ27 للمجلس الوزاري العربي للسياحة بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. ورحب مجلس وزراء السياحة العرب بهذا الاختيار، مشيرًا إلى أن بغداد اجتازت المعايير التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة. تضمنت هذه المعايير مؤشرات متعددة، مثل الإدارة السياحية، والبنية التحتية، وتنوع الموارد والأنماط السياحية، والحفاظ على البيئة، والاستجابة للمستجدات السياحية، وضمان السلامة، والأمن والاستقرار السياحي والصحي.
فرص اقتصادية وتنموية
المتحدث باسم وزارة الثقافة والسياحة، أحمد العلياوي، عبر عن فخره باختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، مشددًا على أن هذا الإنجاز يعكس الجهود المتضافرة بين الحكومة العراقية، ووزارة الثقافة والسياحة والآثار. وقال العلياوي، في حديث مع (المدى)، إن "بغداد، المدينة التاريخية التي تمتد جذورها لأكثر من ألف عام، تستحق هذا اللقب لما تمتلكه من مقومات سياحية متنوعة تشمل السياحة الدينية، الأثرية، والطبيعية". وأضاف أن "اختيار بغداد يعكس مكانة العراق كوجهة سياحية مميزة، ويعزز من حضوره عربياً ودولياً".
وأشار العلياوي، إلى أن "اختيار بغداد لهذا اللقب يمثل فرصة ستراتيجية لتعزيز الاقتصاد الوطني عبر تنشيط قطاع السياحة، مما يسهم في خلق فرص عمل جديدة ودعم عجلة التطوير والاستثمار. وأكد أن الوزارة تسعى إلى جذب الشركات ورجال الأعمال، خاصة في قطاعات الفندقة والبنية التحتية السياحية، للاستثمار في العراق واستغلال هذه الفرصة الفريدة".
وأكد أن "السياحة تُعد مصدرًا اقتصاديًا مستدامًا"، موضحًا أنها تسهم في تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وتُعزز التفاهم الحضاري بين العراق ودول العالم.
وتابع بالقول، إن "هذا الإنجاز يمثل خطوة مهمة نحو إبراز الوجه الحضاري والتاريخي لبغداد، معربًا عن أمله في أن يكون عام 2025 محطة لانطلاق مشاريع تنموية تخدم قطاع السياحة في العراق، وتسهم في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية قادرة على استقطاب الزوار من مختلف أنحاء العالم".
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي أحمد عيد لـ(المدى)، إن "قطاع السياحة في العراق يُعد من أهم القطاعات الواعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يتمتع العراق بمقومات سياحية متنوعة تشمل المواقع الأثرية التاريخية والدينية، إلى جانب المناطق الطبيعية التي تتنوع تضاريسها بين الجبال والسهول والصحارى". وأضاف أن "هذه الإمكانات تجعل العراق وجهة سياحية مميزة على المستويين العربي والدولي، إلا أن القطاع يواجه تحديات كبيرة تعرقل تطوره واستغلال إمكاناته بشكل كامل".
وأشار عيد إلى أن "الأوضاع الأمنية غير المستقرة تُعد من أبرز العوائق أمام تطوير السياحة في العراق، إذ لا يزال عدم الاستقرار الأمني في العديد من المناطق يمثل تهديدًا للسياح والمستثمرين على حد سواء". وتابع أن "ضعف البنية التحتية هو تحدٍ آخر يواجه القطاع، حيث تفتقر المناطق السياحية إلى المرافق الأساسية مثل الفنادق والطرق وأنظمة النقل الداخلي، ما يجعل تجربة السياحة في العراق غير مريحة أو جاذبة".
وأوضح أن "الفساد المالي والإداري يُعيق تنفيذ المشاريع السياحية ويهدر الأموال المخصصة لتطوير هذا القطاع الحيوي، بالإضافة إلى غياب ستراتيجيات حديثة للترويج للسياحة على المستويين العربي والعالمي". كما لفت إلى أن "انتشار السلاح المنفلت ووجود الميليشيات في بعض المناطق يشكل بيئة طاردة للسياح ويضعف الثقة بوجهة العراق السياحية".
وفي حديثه عن مشروع "بغداد عاصمة السياحة العربية"، أكد عيد أن "هذا المشروع يمثل فرصة ستراتيجية لإعادة إحياء دور بغداد الحضاري والاقتصادي، وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية على المستويين العربي والدولي". لكنه حذّر من أن المشروع قد لا يختلف كثيرًا عن تجربة "بغداد عاصمة الثقافة العربية" عام 2013، والتي انتهت دون تحقيق نتائج ملموسة رغم تخصيص مليار دولار لتطوير مشاريع ثقافية وبناء مراكز فنية ومسارح.
واعتبر عيد أن "النجاح في تحويل بغداد إلى عاصمة للسياحة العربية يتطلب معالجة المشكلات البنيوية التي واجهتها المشاريع السابقة. يجب أن تكون هناك خطوات جادة لتطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات، ومكافحة الفساد، وفرض الأمن في المناطق السياحية".
وأضاف أن "اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية يمكن أن يكون فرصة لتعزيز مكانة المدينة التاريخية والحضارية، وجذب الاستثمارات السياحية، وخلق فرص عمل جديدة، فضلًا عن دعم الاقتصاد الوطني من خلال تنويع مصادر الإيرادات بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط".
أكد أحمد عيد بالقول إن "مشروع بغداد عاصمة السياحة العربية قد يكون بوابة نحو مستقبل أفضل للقطاع السياحي في العراق، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بإرادة سياسية حقيقية وإجراءات عملية لمعالجة التحديات الحالية وضمان تنفيذ المشروع بعيدًا عن النفوذ السياسي والمسلح".
وكان رئيس المنظمة العربية للسياحة، د. بندر بن فهد آل فهيد، قد أكد في تصريح له أن اختيار عاصمة للسياحة العربية يأتي بهدف تعزيز حركة السياحة البينية العربية، وإبراز الخصوصية الثقافية والتقاليد المميزة لكل مدينة يتم اختيارها. كما يهدف إلى تسليط الضوء على القيمة السياحية للمدينة ودورها في دعم صناعة السياحة العربية، مع تعزيز التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى.
وأضاف الدكتور آل فهيد أن عام 2025 سيشهد تنظيم العديد من الفعاليات والبرامج السياحية المتنوعة في بغداد، بهدف تنمية السياحة البينية والإقليمية للعراق. وأعلن عن إطلاق المنظمة احتفالية خاصة بهذه المناسبة، لتسليط الضوء على مكانة بغداد التاريخية والحضارية، وتعزيز حضورها كوجهة سياحية مميزة على المستوى العربي والدولي.