واسط / جبار بچاي
حذر خبير في المياه من هدر واستنزاف الثروة المائية في البلاد، وحَمّل الجهات المعنية سوء إدارة ملف المياه الداخلي، مؤكداً أن الهدر الكبير في هذه الثروة المهمة من شأنه أن يهدد أمن البلاد ولا يقل خطورة عن سرقة القرن.
وقال الخبير في الموارد المائية علي حسين حاجم إن «الهدر الكبير في المياه وسوء إدارتها بهدف إرضاء المتنفذين من خلال إطلاق كميات كبيرة منها لإرواء أراضي خارج حدود الإرواء ومحددات الدراسة الستراتيجية سيعرّض أمن البلاد للخطر».
وأضاف في حديثه لـ(المدى)، أن «مصادر تغذية مشاريع الري سواء كانت بالضخ أو سيحية والعمود الناقل فيها والشبكات الفرعية ومنافذ التغذية تكون محسوبة بدقة لتوزيع المياة المخصصة بعدالة وبما يحقق الكفاية الكاملة للري».
مشيراً الى أن «فتح منافذ إضافية من مشاريع الري خلافاً لتصاميمها يعد مخالفة واضحة لنظام الري ولا توجد جهة تمتلك صلاحية فتح مثل تلك المنافذ بما في ذلك وزارة الموارد المائية وحتى السيد الوزير دون حسابات وتوصيات من الجهات المعنية في الوزارة"، مؤكداً أن «المئات من المنافذ تم فتحها خلافاً لتصاميم المشاريع الاروائية مؤخرا… والهدف منها ترضيات وتوصيات ومغانم».
وقال «خلال المتابعة لإطلاقات المياه من السدود (الخزين المائي) منذ بداية الموسم الشتوي الحالي تبين أن الاطلاقات المائية من الخزين للفترة من 27 / تشرين الأول الماضي ولغاية السادس من كانون الأول الحالي كانت مليار و856 مليون متر مكعب، أي بمعدل شهري (1.4 مليار م٣ تقريبا) مع وجود إيرادات محدودة للسدود، وهذا هدر كبير إذا ما قورن بمساحة الاراضي المقرر اروائها في الخطة الزراعية وكفاءة الإرواء المطلوبة».
وذكر أنه «في حال استمرار إطلاق مثل هذه الكمية يكون إجمالي الاستهلاك المائي من الخزين عند نهاية الشهر الخامس من العام المقبل بحدود (6 مليارات متر مكعب) وبذلك يكون المتبقي في الخزانات نحو 7 مليارات متر مكعب كون الخزين الحالي 13 مليار مكعب».
موضحاً أن «احتياجات الشرب والبستنة والصناعة بحدود الـ (7 مليارات م٣ خلال السنة) هذا يعني سيتم تصفير الخزين عملياً ولا أمل بتأمين المياه للموسم الشتوي 2025 ـــ 2026».
ولفت الى أن «هذا التحليل لم يكن عن فراغ إنما بالاعتماد على المعاير الثابتة المعمول بها والتي تعرفها الوزارة وهو بمثابة مؤشر خطير على مستقبل البلاد المائي ودالة واضحة على سوء الإدارة المائية في البلاد وأن نتائج المضي بهذه السياسة الخاطئة ستكون كارثية على البلد وأن خسائرها أكبر حتى من سرقة القرن».
وذكر أن «الاطلاقات المائية المشار لها هي لإرواء مساحات الخطة الزراعية للموسم الشتوي الحالي وهي مساوية لخطة الموسم الشتوي الماضي لكنها بمعدلات مضاعفة لإطلاقات مياه العام الماضي وستستنزف الـ (10 مليار م٣) الإضافية التي تم خزنها العام الماضي».
وقال حاجم، وهو مدير عام سابق بوزارة المائية إن «الهدر بالمياه حالياً نتيجة لسياسة إدارة المياه التي تجري وتهرول وراء أرضاء المتنفذين والأقطاع المائي لضمان تدويرها في المناصب، لكن بالنتيجة ستعرّض أمن البلاد للخطر لذا يتوجب على الجهات الرقابية النظر لما يجري من هدر للثروة المائية قبل فوات الأوان».
وأضاف أن «الإقطاع المائي يحكم سيطرته على الدوائر المعنية بتوزيعات المياه ويتوسع خارج حدود الإرواء وإدارة المياه تطلق كميات مضاعفة لتغطية عجزها في السيطرة على توزيعات المياه حيث أن كل هذه الأمور تعد مؤشرات خطرة ودالة على انهيار نظام توزيعات المياة وأن استمرار الإفراط بالخزين المائي بهذه الطريقة يمثل تهديد لأمن البلاد ويعكر حياة المجتمع".
وأوضح أن «قوانين الري منحت صلاحية لدوائر الري المعنية بالتصاميم دراسة حالات الإخفاق في مشاريع الري وتقديم توصية بشأنها يصادق عليها الوزير حصرا ويكون ذلك في حالات محدودة جدا لفتح منفذ بطاقة محدودة جدا لمعالجة مشاكل تصميمية فقط ومثل هذا الأمر يكون نادر الحدوث".
مؤكداً أن «فتح منافذ الترضية الجارية حاليا والتي يتم منحها بموافقات خاصة أو بمجاملات ومحسوبية أو منسوبية تساهم في تخريب نظام الري وقد تكون لصالح جهات معينة على حساب أخرى يتم حرمانها من حقها، فالمياه يفترض أن تكون قسمة بين الناس وأن ماحصل مؤخراً في (مهرب الجهاد الفيضاني) من تظاهرات نتجت عنها وفيات وإصابات كانت بسبب سوء إدارة توزيع المياه بين الفلاحين وعدم وجود قاعدة بيانات رصينة (دفتر تسكام) مع نفوذ للإقطاع المائي".
يذكر أن فتر التسكام عبارة عن سجل توثق فيه بيانات المستفيدين من كل قناة اروائية مثل مواصفات المنافذ المتفرعة من القناة (أبعادها وأعماقها) والمضخات الثانوية وأية ملاحظة اخرى يتم تدقيقه في نهاية كل موسم زراعي من قبل لجان محايدة عادة من محافظة اخرى للتأكد من سلامة نظام توزيعات المياه.
وهذا النظام (سجل التسكام) متبع منذ انشاء نظام الري في البلاد قبل قرن من الآن ويعتبر المعيار الأساس والوحيد في توزيعات المياه ويضمن عدالة ذلك وأن عدم اعتماد سجل التسكام في إدارة شؤون الري يتسبب في فوضى كما حصل مؤخرا في مهرب الجهاد وغيره من المشاريع التي تعتمد سجل شكلي غير مستوفي للآلية المطلوبة.
وختم حاجم حديثه بالقول إن «مرحلة إدارة المياه الحالية تعتبر الأسوأ في تاريخ الري بعد ٢٠٠٣، مرحلة تخريب نظام الري وتمثل خطر يهدد مستقبل البلاد وموضوعها يحتاج لوقفة عاجلة قبل فوات".