بغداد/ تميم الحسن
بعد زوال نظام بشار الأسد في سوريا، يُرجَّح أن يأخذ العراق دورًا أكبر في المنطقة، بحسب ما يقوله الإطار التنسيقي.
بغداد منخرطة منذ أيام في حوارات دبلوماسية عبر الزيارات و"الهاتف" بشأن ترتيبات الوضع في الدولة الجارة.
وبموازاة ذلك، بدأت قوى سياسية تحذر من "سيناريوهات" مشابهة للوضع السوري، إذا لم تُجرَ إصلاحات سريعة في الداخل.
وتركز أغلب التحذيرات على الابتعاد عن "الدائرة الإيرانية" وتغليب المصلحة العراقية.
ومنذ هروب "الأسد" الأسبوع الماضي وسيطرة جماعات مسلحة معارضة على دمشق، يتعامل العراق بحذر مع الوضع الجديد.
فؤاد حسين، وزير الخارجية، قال في مؤتمر عقد في الأردن حول سوريا، إن بغداد طرحت ورقة "شاملة" حول خطة العمل بشأن مستقبل سوريا.
وأضاف حسين في مؤتمر صحفي مشترك على هامش الاجتماع الوزاري الذي عقد في مدينة العقبة الأردنية: "الاستقرار الأمني والسياسي في سوريا هو جزء لا يتجزأ من الاستقرار في العراق".
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية، أكد وزير الخارجية خلال الاجتماع: "أننا لا نريد ليبيا ثانية في المنطقة".
وانطلقت يوم السبت، في مدينة العقبة جنوبي الأردن، اجتماعات لبحث التطورات الأخيرة في سوريا، بمشاركة وزراء خارجية مجموعة من الدول العربية والأجنبية.
وفي ذات الشأن، شدد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على ضرورة قيام عملية سياسية شاملة تضمن حقوق الشعب السوري، وذلك خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأكد السوداني في بيان على "ضرورة التأسيس لمرحلة انتقالية عبر قيام عملية سياسية شاملة تضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري، مع التأكيد على سلامة ووحدة الأراضي السورية".
من جهته، قال الرئيس الفرنسي، وفق البيان، إن بلاده ملتزمة "بأمن واستقرار العراق والوقوف إلى جانبه تجاه مختلف التحديات، خصوصًا في مكافحة الإرهاب".
وجدد السوداني، خلال لقائه أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في بغداد، "موقف العراق الداعم لسوريا في هذه المرحلة المهمة"، بحسب بيان حكومي.
لكنه أكد أن العراق ينتظر "الأفعال لا الأقوال من القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا".
وأكد وزير الخارجية الأمريكي للسوداني "دعم أمن العراق واستقراره وسيادته"، في تغريدة على منصة "إكس" عقب لقائه برئيس الحكومة.
وتقع حكومة محمد شياع السوداني تحت ضغط شديد بسبب الأحداث في سوريا، حيث يُطلب منها "لجم" الفصائل المسلحة بشكل قاطع هذه المرة.
وقد وصلت هذه المطالب عبر رسائل من الخارجية الأمريكية إلى بغداد، وهو ما فُهم أيضًا من تصريحات المرجعية الدينية في النجف.
بالمقابل، لا يزال الداخل العراقي منقسمًا بشأن تداعيات الوضع في سوريا؛ فهناك من يؤيد التدخل حتى اللحظة.
وتقف الفصائل وبعض الفاعلين في المشهد السياسي الشيعي مع هذا الرأي، متماشية مع موقف طهران التي أعلنت عن "استمرار المقاومة".
دور عراقي جديد في المنطقة
في غضون ذلك، يعتقد مقرب من الإطار التنسيقي أن الحراك الدبلوماسي الأخير هو "لتجنيب العراق ارتدادات ما يحصل في سوريا".
ويقول رحيم العبودي، القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، لـ(المدى): "على الرغم من وجود خلايا لتنظيم داعش، فإن الظرف السياسي والوضع المجتمعي يرفضان حدوث سيناريو مشابه لما جرى في سوريا".
وتُثار في العراق مخاوف من تكرار ما جرى في الموصل عام 2014، حيث تدفق المسلحون (داعش) من سوريا بعد كسر الحدود بين البلدين.
دبلوماسيًا، يصف العبودي الوضع العراقي بأنه أصبح أقوى في المنطقة بعد زوال نظام الأسد.
ويضيف: "الولايات المتحدة تعوّل على بغداد في تهدئة المنطقة، وأن تكون عامل استقرار لسوريا، وألا تحدث حرب أهلية، لأن أمريكا تريد صياغة معادلة جديدة في سوريا".
وتوقع العبودي أن التدخل الإسرائيلي والقصف الكثيف قد أخرجا سوريا من المعادلة، لتدخل بغداد كفاعل رئيسي بعد أن أصبحت دمشق ضعيفة.
ويقول: "إن العراق سيكون الموازن والعامل المحوري في المنطقة بسبب موقعه وحدوده المشتركة والطويلة مع إيران".
ويؤكد القيادي في الحكمة أن العراق لا يستجيب لكل ما تطلبه الولايات المتحدة، ويريد أن يكون "متوازنًا نوعًا ما في علاقته بين واشنطن وأن لا يكون في طهران بشكل كامل".
وكانت تسريبات قد أشارت إلى أن زيارة بلينكن الأخيرة إلى بغداد تضمنت طلبًا بمنع إيران من شحن الأسلحة أو المعدات الأخرى عبر العراق إلى سوريا.
تحذيرات
وبدأت أغلب الزعامات الشيعية بتوجيه تحذيرات خاصة للمناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش"، خوفًا من انتقال الأحداث السورية إلى البلاد.
بموازاة ذلك، دعت ست شخصيات بارزة من المكوّن السني إلى إطلاق حوار وطني شامل، ومعالجة مظالم السجناء وقضايا العنف السياسي، في بيان يعكس التطورات الأخيرة في سوريا والمنطقة.
وتحدثت الشخصيات، التي تضمنت رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني، إلى جانب رؤساء برلمان سابقين مثل أسامة النجيفي وسليم الجبوري، عن ضرورة معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية التي أضعفت العراق.
وأكد البيان رفضه أي استخدام للعنف في عمليات الإصلاح، مشددًا على أن الإرهاب في العراق فقد حاضنته الشعبية، ومعتبرًا أن الاتهامات المتعلقة بتمدد الفصائل السورية داخل العراق تفتقر إلى الصحة.
وحول البيان الأخير، اعتبر تحليل لمركز التفكير السياسي خاص لـ(المدى)، أن رسائل رؤساء النواب "تحذيرية" للإطار التنسيقي، خصوصًا في ظل تصاعد الآراء والتوقعات بأن العراق سيكون الجغرافيا التالية لإعادة هيكلة الشرق الأوسط.
وقال المركز إن البيان "كشف المسكوت عنه من قبل الإطار التنسيقي. بالمقابل، فإن التحالف الشيعي ما زال حتى الآن في حالة إنكار سياسي لضرورة وحتمية الإصلاح في العراق وضرورة الجلوس على طاولة حوار مع القوى المعارضة والمخالفة للعملية السياسية".
وبيّن المركز، الذي يرأسه إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، أن "الإطار في حالة إنكار للإقصاء الذي يمارسه بحق الشركاء السياسيين أو الأطراف والنخب الوطنية".
فضلاً عن ذلك، تمثل هذه الرسالة، وفق المركز، محاولة للنأي بالنفس من الموقعين ومن يمثلونهم عن طبيعة الأخطاء التي ارتكبت من قبل القوى القابضة على السلطة، وهي القوى السياسية الشيعية منذ 2003 وبمختلف التسميات.
وأضاف تحليل المركز: "هناك استشعار من قبل الموقعين بأن العراق سيشهد تحولات كبيرة، والبيان فيما يبدو قد يفض الشراكة إذا ما حدثت هذه المتغيرات".
وانتقد المركز، بالمقابل، الدعوات للحوار إذا كانت على أسس طائفية ومكوناتية، وقال إن "الحوار الوطني لا يشمل هذه الأطراف، وإنما يشمل القوى المغيبة أو التي تم تغييبها من قبل أحزاب السلطة".
وأوضح المركز، أن "الصحيح أن يجلس هؤلاء (الموقعون على البيان الأخير) لأنهم كانوا جزءًا من العملية السياسية بعد 2003، وعليهم أن يقتنعوا بأنهم ساهموا في تدهور الديمقراطية وما وصلت إليه الأمور. هم جزء من اتفاقيات سابقة أنتجت حكومات ورئاسات. بالتالي، لا يُفترض أن يجلسوا مع القوى المعارضة، بل يكونوا بجانب القوى التي أمْسكت بالسلطة، مقابل قوى معارضة وجهات تبحث عن إصلاحات شاملة في النظام السياسي".
هذه الرسالة، بحسب المركز، هي أيضًا محاولة استشعار للمظلومية وتنبيه من السيطرة الإيرانية على العراق.
ويرى المركز أن القوى الموقعة على البيان لديها إمكانيات أكبر للاعتراض، إذ يمكن "الانسحاب من ائتلاف إدارة الدولة إذا وجدوا خللاً في النظام السياسي، وليس الاكتفاء بالبيانات مع المحافظة في الوقت ذاته على مكاسبهم من السلطة".