علي حسين يمكن التعامل مع خطب بعض الساسة العراقيين باعتبارها نوعاً من التسالي، على أساس أننا نعيش تخمة من الخدمات والرخاء الاقتصادي فقررنا ألا نصادر حق احد في أن يتسلى سياسيا، فنحن في كل الأحوال نعيش عصر التسالي الذي طال كثيرا، ولان كل تسلية تفرق عن الأخرى، فقد وجدنا هناك من يتسلى معنا، ومن يتسلى بنا ومن يتسلى علينا .. وبالتأكيد هناك من يتسلى مع نفسه.
ويمكنك عزيزي القارئ أن تضع التصريح الأخير للسيد رئيس الوزراء في المساحة الواقعة بين النوعين الأخيرين، دون أن نبخس جهد كتيبة من السياسيين ستخرج علينا لتؤكد أن هذا التصريح هو "فخر الصناعة السياسية في العراق". فقد أكد السيد رئيس الوزراء بان قرار المحكمة الاتحادية العليا ربط الهيئات المستقلة بالحكومة دستوري وملزم غير قابل للطعن، فالدستور ينص على الفصل بين السلطات وعمل هذه الهيئات تنفيذي، وبما إني المسؤول التنفيذي الأول فكيف يجب أن أبقى بعيدا عنها؟ وحذر من أي قرار تراجعي للمحكمة لأنه سيخرب البلد –على حد قوله-.اللعب الآن على المكشوف، فبعد أن كان الكلام كثيرا وغزيرا عن الشفافية وضمان استقلالية هيئات، مثل النزاهة والانتخابات والبنك المركزي والمساءلة والعدالة، تعود الحكومة متمثلة بأعلى سلطة فيها لتحذف كلمة "المستقلة" من هذه الهيئات لتضع مكانها عبارة هيئات تنفيذية.والواضح الآن أن الحكومة قررت أن تجعل من كل الأطراف "كومبارس " في فيلم الشفافية الحكومية، حيث يظهرون في عدة مشاهد لكنهم لا ينطقون بكلمة، وعليه فإن على هذه الهيئات أن تعيد التفكير في الأمر، فإما أن تشارك في لعبة الحكومة، أو أن تقرر مقاطعة هذه المسرحية العبثية.وإلى حين تنتهي أزمة هذه الهيئات، أريد أن أطرح سؤالاً ونصف سؤال على السيد رئيس الوزراء، وقبل السؤال أريد أن أذكر سيادته بأن واحدة من الأزمات التي تتعرض لها الأنظمة العربية الآن هي إصرار حكامها على الانفراد بالقرار والسلطة. وأعود للسؤال فاسأل هل يعمل السيد المالكي كرئيس للوزراء منتخب من قبل مجلس النواب، أم يطمح إلى العمل رئيسا لكل الهيئات التنفيذية؟، وهل سنجد يوما أنفسنا أمام قرار جديد تتخذه الحكومة بإلحاق مجلس النواب بكل هيئاته التشريعية بمكتب رئيس الوزراء، إما نصف السؤال فهو، لماذا يعتقد بعض الساسة أن الأمور ما لم تصب في مصلحتهم فان الخراب سيحل بالبلد، ولماذا يبقى مصير العراق مرتبط بشخص واحد لا بمؤسسات ديمقراطية؟!، قبل الانتخابات سمعنا النغمة نفسها، كل طرف كان يهدد بالويل والمصير الأسود لو أن الحكومة خرجت من بيته، فيما المواطن المسكين ينظر بعين كسيرة لما يجري وهو يرى طوابير العاطلين تعبث بها أحزمة الإرهابيين، وضحايا عصابات الجريمة المنظمة، ويشاهد قضايا نهب المال العام وسرقة أراضي الدولة والرشوة وأموال تذهب لمخصصات سكن المسؤولين و لحماياتهم وسفرياتهم، والزواج غير الشرعي بين العديد من المسؤولين والفساد المالي.ولان بعض الساسة لا علاقة لهم بما يجري في العالم، فقد تعاملوا معنا كما تعامل العميان مع الفيل في غرفة مظلمة، كما صورهم الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير، حيث وصف أحدهم الفيل بأنه أربعة أعمدة، لأنه تحسس أرجله الأربع فقط، فيما قال الذي تحسس خرطومه إنه ثعبان، بينما ذهب الذي تحسس ذيله إلى أن الموجود في الغرفة مكنسة.أما شطار السياسة عندنا فيقرأون الواقع بطريقة تفوق ما قام به عميان فولتير، بدليل أنهم ماضون في طريقهم غير مكترثين بأنهم مصممون على قرارات وسياسات لا تفعل شيئا سوى إشعال الغضب في الصدور، بما يهدد بحريق كبير، لا تنفع معه حتى مطافئ أمريكا التي تخلت بلمح البصر عن رفاق لها في تونس ومصر.
فـارزة: حرائق الحكومة

نشر في: 31 يناير, 2011: 09:04 م