TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سوريا ما بعد انهيار الأسد في قراءة روسية: الأسباب والتداعيات

سوريا ما بعد انهيار الأسد في قراءة روسية: الأسباب والتداعيات

نشر في: 17 ديسمبر, 2024: 12:03 ص

د. فالح الحمـــراني

حددت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أوليات روسيا الحالية في سوريا بعد انهيار نظام الرئيس السابق بشار الأسد بضمان أمن جميع المواطنين الروس المتواجدين هناك، فضلاً عن حرمة المنشآت والبعثات الروسية: الدبلوماسية والعسكرية وغيرها، بما في ذلك تلك التي لها علاقة بأنشطة الشركات والمنظمات الروسية. وقالت إن موسكو تنطلق من أنه ليس ثمة بديل لمراعاة المعايير القانونية الدولية التي تنظم صفة وأنشطة المؤسسات الروسية في سوريا، بما في ذلك اتفاقيات فيينا. وقالت إن بعثتنا الدبلوماسية في دمشق تواصل العمل في ظل ظروف تهديدات أمنية كبيرة. وحسب تقديرها تدخل سوريا الآن في مرحلة انتقالية ستواجه فيها البلاد حتماً تحديات جديدة. وهذا حرفيا يجري على الهواء مباشرة. وتنشر روسيا قاعدتين عسكريين في سوريا ووظفت استثمارات كبيرة في الاقتصاد السوري من المرتقب يكون مستقبلها موضوع مباحثات في المستقبل. وقالت موسكو إنها مستعدة للعمل مع أي حكومة تمثل الشعب السوري.
وأشار مراقبون إلى أن موسكو لم تعد تملك الورقة الرابحة الرئيسية بين يديها في شخص " زعيم سوري أوحد"، لكنها ما تزال تحتفظ بعدة أوراق قوية. في إشارة إلى أن إجمالي الاستثمارات الروسية في سوريا يبلغ أكثر من 20 مليار دولار، وتعد موسكو من بين الشركاء التجاريين الرئيسيين لدمشق. وإن الجالية السورية في روسيا ليست كثيرة العدد، لكنها ناجحة جدًا اقتصاديًا وناشطة اجتماعيًا. وفي سوريا نفسها، لم يختف التعاطف القوي الذي تشكل في العهد السوفييتي البعيد مع روسيا.
ويربط العديد من المراقبين في موسكو انهيار نظام الأسد السريع، بعدم تنفيذه الإصلاحات اللازمة، ولم يبذل كما دعته موسكو، محاولات كافية لدمج القوى السياسية الأخرى في نظام الحكم، وتشكيل حكومة وطنية شاملة. وفي الوقت نفسه، استمر الخطاب والممارسات العنيفة في التعامل مع المعارضين السياسيين. وحسب تقديراتهم أدت مجموعة كاملة من العوامل إلى الانفجار، ومن الصعب تحديد أي منها كان حاسما. وربما لعب عدم وجود دوافع لدى القوات المسلحة للدفاع عن النظام دورًا حاسما: فلم يكن في صفوفها من يرغب في القتال من أجله، ولسنوات متتالية تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا. وكان التضخم يرتفع في البلاد، وتفاقمت مشاكل الأمن والغذاء وإمدادات الطاقة. وأعادوا الأذهان الى الاحتجاجات في السويداء، التي كانت كمؤشر إلى السخط الشعبي المكبوت. ولهذا تراجعت القوات الحكومية بشكل أسرع من تقدم هيئة تحرير الشام.
وبدوره أكد أندريه كورتونوف رئيس المدير العلمي للمجلس الروسي للشئون الخارجية في مقالته "كل شيء بدأ للتو في سوريا" أن لدى موسكو أسباب عديدة لتبقى لاعباً نشطاً بدلاً من أن تصبح متفرجاً. كما أن التغيير المرتقب للقيادة السياسية في واشنطن يثير تساؤلات حول الدور المستقبلي للولايات المتحدة في المنطقة، كما أن عدم فهم الأولويات والنيات الأمريكية يدفع القادة العرب إلى الحوار مع موسكو.
ورصد بأن الانهيار غير المتوقع لنظام بشار الأسد في سوريا يعيد للأذهان ما حدث في أفغانستان في عام 2021. ففي الحالتين الأولى والثانية، وعبرت القوات المسلحة الوطنية في كلتا الحالتين بتصرفها عن حجب الثقة عن قيادة البلاد، وبعد ذلك انهارت الحكومة مثل بيت من ورق. والأسد مثل الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني الذي وعلى مدى مدى سبع سنوات، فشل في توسيع القاعدة السياسية والاجتماعية لسلطته وخسر أيضًا الكثير مما ورثه من سلفه حامد كرزاي. ومُنح بشار الأسد، الذي أنقذ ت ايران وروسيا نظامه في اللحظة الأخيرة في خريف عام 2015، ما يشبه" لعبة المكافأة" لمدة تسع سنوات لتحقيق المصالحة الوطنية، لكنه لم يوحد السوريين. وخلص الى إن أوجه التشابه بين الحالتين تنتهي عند هذه النقطة. فإذ تمكنت حركة طالبان في أفغانستان من تعزيز سلطتها في كابول، وتجنب وقوع كارثة إنسانية، ومنع تدفقات اللاجئين المتوقعة بملايين الدولارات، بل وحتى اتخاذ الخطوات الأولى نحو الاعتراف الدولي، فإن هناك إمكانية ضئيلة في تحقيق مثل هذا النجاح في سوريا.
ويعزو الخبير ذلك الاستنتاج المتشائم الى وجود شرخ واسع بين الجماعات التي تسعى إلى تقاسم إرث الأسد، أي بين السُنّة والعلويين، والأكراد والتركمان، والدروز، والساسة العلمانيين والأصوليين الإسلاميين، وبين المعتدلين والمتطرفين. وحسب رؤيته سيكون من الصعب للغاية الحفاظ على التحالف المتنوع الذي يعارض الأسد بعد الإطاحة به.
وأضاف " سيكون من الصعب على جيران سوريا العمل كضامنين للدولة السورية أو على الأقل الأمن داخل سوريا". فإسرائيل مشغولة في غزة وجنوب لبنان إلى الحد الذي لا يتيح من التفكير في المستقبل السوري؛ وأولويتها هي الاحتفاظ بمرتفعات الجولان وإنشاء منطقة عازلة في الأراضي السورية المجاورة. وإن ليس لدى أنقرة تأثير مطلق على الجماعات المتطرفة في محافظة إدلب؛ ولدى الرئيس رجب أردوغان سبب وجيه للتخوف من ارتفاع حاد في أعداد الأصوليين على الحدود الجنوبية لتركيا. علاوة على ذلك، لن تتمكن إيران والعراق من العمل كحكم محايد في الشؤون السورية. وفي هذا الصدد، هناك تهديد بتحول سوريا إلى صومال ثانٍ، حيث لم تتوقف الحرب الأهلية والانتفاضات ضد الحكومة المركزية في مقديشو. وهذا يعني، كما يقول كورتونوف، بأنه ومع سقوط بشار الأسد، فإن اللعبة السياسية في سوريا وما حولها قد بدأت للتو.
ومضى بالقول: وبالنسبة لتركيا، إذا حكمنا من خلال الخطاب الرسمي، يبدو أن أنقرة نأت بنفسها إلى حد ما عن نجاحات هيئة تحرير الشام، على الأقل في الأيام الأولى من الأعمال القتالية المكثفة. وتتمثل الأهداف الرئيسية للرئيس رجب طيب أردوغان في ضمان الأمن، خاصة في سياق التهديد الإرهابي. وتنظر تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية على أنها تشكل تهديد لأمنها، وقد نفذت ضدها عمليات عسكرية بشكل متكرر. كما أن مشكلة اللاجئين مهمة أيضًا. وبحسب بعض التقديرات، هناك نحو ثلاثة ملايين سوري في تركيا. وهذا له أثر سلبي على اقتصاد البلاد، ويخلق المنافسة في سوق العمل ويزيد العبء على الخدمات الاجتماعية. ولا تكفي المساعدات الإنسانية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لتركيا لتلبية كافة الاحتياجات. ولذلك، فإن تركيا ليست مهتمة بتدفق جديد للاجئين الذين قد يباشرون بعبور الحدود. وتسعى انقره جاهدة للحفاظ على المنطقة الحدودية مستقرة نسبيًا وخاضعة للسيطرة من أجل تجنب التهديدات التي تتعرض لها أراضيها.
وإذا ما حلل المرء بدقة الوضع الاستراتيجي الناشئ في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، سيظهر له أن الأمور سارت في سوريا ليس على النحو المخطط له في السيناريو التركي. فقد كانت الخطة الأصلية هي أن يصبح "الجيش الوطني السوري" الموالي لتركيا هو القوة السياسية الرائدة في البلد المُدَمَر. ولكن سارع أنصار هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني بالاستيلاء على السلطة في دمشق، وهذا ما يجعل أفاق تطور الوضع السوري مفتوحة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

السوداني يتلقى دعوة رسمية لزيارة سلطنة عُمان

القانونية النيابية تكشف لـ(المدى) موعد استئناف جلسات البرلمان.. هذا أبرز ما سيُمرر

السوداني والحلبوسي يؤكدان أهمية مواصلة تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي

مبابي يهدد باريس سان جيرمان بعقوبات خطيرة

قراءة أمريكية لتداعيات سقوط الأسد على العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

 علي حسين كعادتي كل صباح اقرأ عمود الكاتب الصحفي سمير عطا الله في الشرق الأوسط، وهو يجمع بين السياسة والأدب والفلسفة ، وفي عموده قبل يومين تناول موضوعة القادة الذين يتوهون ان عقولهم...
علي حسين

كلاكيت: ترامب في معاركه مع السينمائيين

 علاء المفرجي مرة أخرى، يُجدّد الأميركيون انتخابهم دونالد ترامب. ومرّة أخرى تحظى الانتخابات الأميركية بمثل هذا الاهتمام العالمي، لأسباب عدّة، لعل في مقدّمتها انسحاب المنافس الرئيس لترامب، جو بايدن، والانسحاب كان لصالح نائبته...
علاء المفرجي

احمد الشرع..بمنظور علم نفس الشخصية

د. قاسم حسين صالح تنويههذه المقالة، او الدراسة، لا علاقة لها بالسياسة، انما هي سيكولوجية خالصة تدخل ضمن تخصص في علم النفس بعنوان (علم نفس الشخصية Psychology of Personality)..تهدف الى تقديم حالة واقعية في...
د.قاسم حسين صالح

" البعث" بدِمشق وبَغْداد.. غساسنة ومناذرة

رشيد الخيون بعد إزاحة "البعث" في 9 أبريل 2003 مِن سدة السُّلطة ببغداد؛ ظل جناحه السُّوريّ قائماً بدِمشق حتَّى 8 ديسمبر 2024، يحكمها على قلق، حتى انتهى بعد 61 عاماً. كان الأسد يعرف النتيجة،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram