علي حسن الفواز(1 - 2) الاهتمام الإجرائي بصناعة المشهد الثقافي يمثل جوهر المسؤولية الضرورية والفاعلة في سياق البحث عن بناء أساسيات للأمن الثقافي، لان هذا الأمن يعتمد أساسا على بناء القاعدة التحتية المؤسساتية للثقافة بكل مستوياتها ونظمها، وضمان مقومات حقيقية مادية ومعنوية للحراك الثقافي واتجاهاته وحيازة القدرة على تعزيز الوعي بشروطه واستحقاقاته، من خلال التعاطي مع أسئلته والتعرّف على القوى الفاعلة في تأسيس وتكريس مظاهره، وذلك عبر تأمين مصادر لفاعلية التواصل والتفاعل بين منظومة القيم العامة التي تمثل أفكار وقيم الجماعات والمكونات في المجتمع،
وبين الحاجة الى وجود بيئة تستوعب التعدد الرمزي المشترك لها في المعيش ضمن مجتمع واحد، تلك التي يمكن ان تكوّن بيئة عامة قابلة لتنظيم الفاعلية الاجتماعية للتشارك في فرص التحاور والانتماء والانفتاح الايجابي على بعضها البعض، مثلما هو دورها في صياغة الرسائل الثقافية، أي الرسائل التي تسند الاجتماع المتحقق داخل الأطر بما يمكن أن تعزز مشروع الدولة في سياق ما يتجلى من معطيات نظامها الاجتماعي الحافظ للتنوع والتعدد وفي سياق إنتاج المصدات التي تملك شروط القوة والصيانة القادرة على مواجهة العنف والإرهاب الذي يهدد التنوع، وبالتالي يهدد شكل الدولة وهويتها.هذا التوصيف يفترض وجود القرائن التي يمكن ان يدعمها الوجود الفاعل للمؤسسات الثقافية المدنية الغائبة أصلا عن تاريخ الدولة الوطنية العراقية، إذ أن هذا الغياب أضعف وجود مظاهر للدور الثقافي العضوي، مقابل بروز قوى اجتماعية ودينية تمثل المرجعية القوية لمظاهر الثقافة والحكمة والعلم والفقه وغيرها. هذا التوصيف المحدد لمفهومي الثقافة والمثقف أسهم في صناعة ظاهرة المثقف المعزول، والمثقف الحامل لوظائف سرية، إذ أن هذا المثقف المأزوم ظل طوال عقود يخشى قسوة السلطة، ويتجنب الاشتباك معها ومع تعقيدات تعاطيها مع الرسالة الثقافية، مثلما ظل متماهيا مع تاريخ إيهامي لمفهوم الحاكمية، والذي ظل ملتبسا الى مرحلة إنتاج ظاهرة الدولة السياسية والتي حملت معها الكثير من أمراض السلطة التاريخية القديمة.ظاهرة الدولة السياسية اصطنعت لها طوال تاريخها وجها خاضعا لنوع من السادية في مجال توظيفها مفاهيم الثقافة والسياسة والاجتماع، ولتحديد دور معين لفاعلية المثقف في سياقها. إذ أن هذا الاصطناع سينعكس قسريا على أداء المؤسسة الثقافية الخاضعة أساسا للسلطة، وعلى كفالة أي شكل من اشكال القيمة المعنوية والنقدية التي يمكن ان تحوزها الصناعة الثقافية، لان إنتاج أية ظاهرة مخالفة يعني البحث عن دور فاعل وحقيقي لفاعلية السياق الثقافي والمجتمع والدولة ذات الأثر الكبير على إنتاج الظواهر الثقافية.إنتاج الظواهر الثقافية الخارجة عن السياق التاريخي للسلطة، يمثل تغايراً في توصيف الوظيفة الثقافية، أي الكشف عن استعدادات لوجود إمكانية لإنتاج ادوار فاعلة لأجهزة أخرى في السياق الثقافي والتي يتداخل فيها عمل مؤسسات مدنية وقوى معارضة، فضلا عن أعمال لجهات رقابية في المجتمع، وبما يجعل ادوار هذه المؤسسات مؤثرة على تنامي وتراكم فاعلية الوظائف الثقافية في مواجهة إشكالية النسق الثقافي التقليدي وتجاوز عقدة نقد ومراقبة السلطة ذاتها، وطبائع القوى المنتجة للعنف-العنف المضاد للسلطة-، لان إيمان السلطة(صانعة القرار) بطبيعة هذه القوى يعني إبرازها على مستوى توجيه آخر للرأي العام والعمل على امتصاص أية قوة للضغط والمواجهة، وبما يجعل الانماط الثقافية الجديدة امام الانخراط في نسق آخر، يواجه السلطة ذاتها، ويواجه في الآن نفسه الأشكال الثقافية المغايرة، والتي تحولت من أشكال للمعارضة والاختلاف إلى أشكال منتجة للإرهاب والعنف والتطرف والتكفير وكراهية الآخر.*الأمن الثقافي..إشكالية التاريخ، وعقدة التوصيف*يكتسب معنى الأمن الثقافي بعداً تراكمياً من خلال الأدوار التي يؤثر فيها، لانه يعني جانباً إنتاجياً للمادة الثقافية من جهة، وجانباً حمائياً من جانب آخر لهذه المادة، ومن هذا المنطلق فان الامن الثقافي يشكل التعبير المفهومي للدفاع عن القيم العامة، وعن الحريات وعن هوية الدولة او الهويات الثانوية ومنظومة الحقوق وغيرها. وهذا ما يضع مفهوم الامن الثقافي في مرحلة ما بمواجهة قضايا بناء الدولة، ومواجهة تحدياتها، ومنها تحديات الارهاب بكل توصيفاته، اذ يمثل (الارهاب انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني والدولي، والذي يعد وحسب منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة أطباء العالم العمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين في أي بقعة من العالم ضمن جرائم الحرب او الجرائم ضد الإنسانية) 1. فان الحاجة الى ضرورات الامن الثقافي ترتبط بالحاجة الى إبراز الدور القيمي والاخلاقي للثقافة، وإبراز أهمية المواثيق الحقوقية والقيمية التي تنظم عمل الفاعليات الثقافية ومنها ما يتجوهر في إطار عمل وسائل الاعلام وصناعة رسائلها الثقافية والأخلاقية الموجهة الى جماهير مستهدفة، والمطالبة بأهمية الالتزام بهذه المواثيق، لان ما يحدث من خروقات إعلامية في صناعة الرسالة وفي بثّ محتواها الثقافي، وما ينعكس من خلالها من تشويش على طبيعة توصيف الأمن الثقافي، يعبر عن خلل بالمعاني القيمية والقانونية للتعاطي مع المواثيق والاتفاقيات واللوائح، ويتيح لجماعات واجندات معينة، بما فيها الجماعات التي تتبنى التوجهات الإرهابية والعنفية الى استغلال وسائل الإعلام للترويج لرسائلهم الثقافية
إشكالات الأمن الثقافي..أسئلة فـي صناعة الدولة والهويّات والمجتمع
نشر في: 1 فبراير, 2011: 04:57 م