أناستاسيا شابوتشكينا
ترجمة: عدوية الهلالي
طالما يشكل النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد الروسي، فقد فكرت أوروبا من خلال عقوباتها في توجيه ضربة قوية لموسكو بسبب موقعها كزبون الطاقة الرئيسي لروسيا. ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات من بدء الحرب، من الواضح أن العقوبات الغربية ليست فعالة وأن أوروبا تواصل لعب دور مركزي في قطاع الطاقة الروسي.
ففي عام 2021، مثلت المواد الهيدروكربونية ما يصل إلى 45% من الميزانية الروسية وأكثر من 60% من صادرات البلاد. وتنتج روسيا، وهي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، إلى جانب المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، 10.5 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، أو 14% من الإمدادات العالمية. وكانت قد صدرت 45% من هذا الإنتاج، أو 4.7 مليون برميل يوميًا، بما في ذلك 2.4 مليون برميل يوميًا إلى أوروبا (بشكل أساسي عبر خط أنابيب دروجبا) و1.6 مليون برميل يوميًا إلى الصين (بشكل أساسي عبر خط أنابيب ESPOبالإضافة إلى ذلك، تم تصدير 10 ملايين طن سنويًا من النفط الروسي إلى الصين عبر كازاخستان عبر خط أنابيب أتاسو-ألاشانكو. وظلت صادرات النفط إلى الهند معدومة تقريبا.
وبعد مرور عام على دخول العقوبات الغربية على النفط الروسي المنقول بحرًا حيز التنفيذ في كانون الأول 2022، ذهبت 70% من صادرات النفط الروسية إلى الصين والهند، وذهب 20% فقط مباشرة إلى أوروبا (عبر خط أنابيب دروجبا). وإذا كان المجلس الأوروبي أكد أن العقوبات النفطية قد حظرت فعلياً 90% من صادرات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي (عن طريق البحر)، فلا بد من الإشارة إلى أنه، نظراً إلى أن مكانة روسيا في مزيج الطاقة في الصين والهند لم تتغير إلا بشكل هامشي، يمكننا أن نستنتج أن معظم هذه الصادرات إلى آسيا تم في الواقع إعادة توجيهها نحو أوروبا.
وفي الواقع، فإن إعادة توجيه صادرات النفط نحو أوروبا عبر آسيا هي وسيلة لتجنب الحظر النفطي الذي فرضته دول الاتحاد الأوروبي، ويتم ممارسته بعدة طرق: يمكن خلط النفط بالنفط المحلي وإعادة بيعه في السوق الأوروبية،أو حمله في ناقلة ترفع العلم غير الروسي أو إعادة بيعه من خلال وسطاء (تجار). وبعد أن تعرض أصحاب الناقلات وشركات التأمين الأوروبية للعقوبات بسبب عملهم مع عملاء روس، اشترى مصدرو النفط الروس أسطولهم الخاص من الناقلات من السفن التي خرجت من الخدمة وأصبحت قديمة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها من قبل الشركات الغربية، وتم استبدال شركات التأمين الأوروبية بشركات تأمين صينية أو روسية لتغطية تكاليفها لهم. وعندما اعتبرت شركات تجارية كبيرة أن تجارة النفط الروسي صعبة للغاية في عام 2022، ظهرت سلسلة جديدة من الشركات التجارية المتخصصة في النفط الروسي والمشتبه في انتمائها لهذه الشركات نفسها. ومع انتقال المعاملات إلى أسطول الظل ومنطقة التجارة، يظل من غير الواضح متوسط سعر بيع النفط الروسي للعملاء الآسيويين. وفي حين تبيع الأسواق خام الأورال الروسي بسعر مخفض، ويفرض المنطق أن الصين والهند لن تشتريا النفط الروسي بسعر أعلى من الحد الأقصى الذي فرضته العقوبات، فلا توجد وسيلة للتحقق من ذلك.
لكن الوضع مختلف بالنسبة للغاز الطبيعي، ذلك ان روسيا هي أكبر مالك لاحتياطيات الغاز في العالم وأول مصدر للغاز الطبيعي قبل الحرب (210 مليار متر مكعب سنويًا للصادرات عبر خط أنابيب الغاز وحده في عام 2021)، وقد شهدت روسيا انخفاض صادراتها عبر خط أنابيب الغاز إلى أوروبا بمقدار 180 مليار متر مكعب سنويًا في عام 2019 ثم 28.3 مليار متر مكعب سنويا في عام 2023، حيث ارتفعت حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي من 45% إلى 15% بين عامي 2021 و2023.
ولم يتم فرض عقوبات على صادرات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب قط، وكان انهيارها الفوري تقريبًا في عام 2022 نتيجة لقرار روسيا الأحادي الجانب بخفض الصادرات إلى ألمانيا في ربيع عام 2022، بسبب الصعوبات الفنية ومشاكل الصيانة، التي أعقبها انفجارات خطوط أنابيب الغاز "نورد ستريم". وهذا القرار هو نفس القرار الذي اتخذته روسيا عدة مرات من قبل: استخدام الطاقة كوسيلة لممارسة الضغط السياسي على أوروبا. وسعت موسكو هذه المرة إلى الضغط على ألمانيا لإطلاق خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" رغم الحرب، وليس لدعم أوكرانيا سياسيا وعسكريا، وإلغاء العقوبات الأوروبية. ولإرسال رسالة مرئية، أصدرت شركة غازبروم، في أوائل أيلول 2022، مقطع فيديو يظهر العواصم الأوروبية مغطاة بالثلوج والجليد، بينما عكست أغنية روسية رؤية موسكو بأن أوروبا ستتجمد بشدة في ذلك الشتاء بدون الغاز الروسي.