TOP

جريدة المدى > عام > "أبواب إلى المعنى".. مجال خصب للقراءة والفهم

"أبواب إلى المعنى".. مجال خصب للقراءة والفهم

نشر في: 18 ديسمبر, 2024: 12:01 ص

أديب حسن
لا يكون للأشياء والأزمنة والأمكنة رجع أو أثر، إنها مادة خرساء وأبعادها صامتة لا تنطق بمكنوناتها إلا حين يقيم فيها البشر، حينذاك فقط تبدو موحية وحميمة كما لو أنها ظلال الكائن على الأرض.
عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد - 2024 صدر للكاتب والناقد التشكيلي جمال العتّابي كتابه الجديد (أبواب إلى المعنى)، تعددت موضوعاته في محاور " المكان، التشكيل، النقد، القضايا العامة، وقراءات في الكتب ".
حرص الكاتب على تناول تلك الموضوعات برؤى يقظة، ومناقشة الأفكار بما تحمله من مضامين واجتهادات ودلالات.
هذا التوجه في اهتمامات العتّابي لا بدّ أن يحقق جدواه في التعرّف على أبعاد التنوع الفكري لديه ويشكّل مفتاحاً للمعرفة المضافة.
أعرف هذا الرجل يحمل معه مرجلاً من حركة تمور وتومئ وتتخفى في الكتابة، والكتابة هنا هي التي تنبت الواقع، تستلهمه، تحلم به، والحلم ف رح وأسى على حد سواء.
جمال العتّابي يحرك الذاكرة على أن تبوح بما لديها، ثم يجوس الأمكنة يتقن تحريك مفاتيحها نحو الداخل، ونحو مديات تظل مطبوعة على حس رهيف، وكتابات ساخنة لما يمتلكه من حرفية وابداع الكتابة. من هنا جاء كتاب العتّابي الأخير موزعاً على أزمنة وأمكنة وشخصيات وقراءات في الكتب ومراجعة للتاريخ، ولعله عندما أختار عنوان كتابه (أبواب إلى المعنى) إنما أراد يقدم فعلاً يولي فيه الثقاقة والمعرفة قدراً من الاحترام كمسؤولية وموقف نبيل يسير في هداه.
في الأمكنة تطالعه ملامح الابنية المعذبة، يتساءل عمن يردّ لها بياض الوجوه، ويستعيد بهاء العيون، الريح تذرع المزابل والخطابات تعبت في متاهات السنين. انه دوماً متجه الى موضوع، ولا موضوع دون ذات، هو يستعيد نظريات (باشلار) في جماليات المكان، محاولاً استعادة الدهشة في الدفاع عن الأمكنة ضد القوى المعادية.
ان محاولة تكثيف الموضوعات الثرية العريضة بكلمات قصيرة لا تغني عن الحقيقة شيئاً، فالعتّابي يأخذنا الى التكامل اللوني في أعمال فؤاد هويرف، وإلى اسرار اكتشاف الرموز في تصاميم جواد سليم، وخطوط هاشم البغدادي، والايقاعات التعبيرية في جماليات الحرف لدى مرتضى الجصاني، ثم ينتقل إلى التذوق الانساني الخصب في أعمال النحات صادق ربيع، والى الموهبة المختزنة في أعماق الفنان طالب مكي، واقتناص اللحظات الجميلة في الطبيعة التي يرسمها الفنان خالد القصّاب.
وعن محنة الانسان العراقي وتراجيديا المبدعين، ينظر الكاتب الى تجارب أولئك محجة للدارسين يمضون بأثرهم الفكري إلى أبعد نقطة داكنة في العالم: محمد سلمان حسن، هاشم الطعان، حسين مردان، رفعة الچادرچي، حكمت الشعرباف، فريال جبوري غزال، صلاح نيازي، عبد الرزاق مسلم، ابراهيم السامرائي، مهدي المخزومي.
أثر هؤلاء تحيا مثل مذاق الخبز، لها خطى تجوب الرأس، تستريح تارة وتلوب مرة أخرى. الأسماء لم تكن عابرة بل كانت موجة صاعدة في الأدب واللغة والفن، في حقبة زمنية محتدمة، تؤكد ان تيار الثقافة العراقية الجديد اتخذ مساره العميق بين ثقافات الشعوب في انعطافاته الجديدة، يسطه في بواكيرها نور أخّاذ.
كان جمال العتّابي قد بدا أشد وضوحاً وتألقاً حين اكتشف وجوده من خلال مشتبكات الكتابة المتنوعة في أجناس مختلفة، وهي تؤلف ايقاعاً منسجماً مع ذاته المبدعة، فحلّق بعيداً في دراسة الرواية، وله كتاب في هذا الميدان هو (أفق مفتوح)، وفي كتابه الجديد درس رواية للكاتب حسين السكاف، وأخرى للكاتب الروسي أندريه بلانونوف هي رواية (الحفرة)، ورواية (وشم الطائر) لدينا ميخائيل. و (تراجيديا مدينة) للروائي زيد الشهيد، ورواية (الذئاب على الأبواب) للقاص والروائي أحمد خلف، وغيرها٠
وفي كثير من الأحيان لاتعني الكتابة عند المؤلف ترفاً أو نزهة، انما هو هي محاولة للخروج من أزمة وتحقيقاً لمهمة، عندما تتناول المحاولة قضايا المواجهات الصعبة في واقع المجمع العلمي العراقي، وبيت الحكمة، ومأزق المسؤولية الأخلاقية في الثقافة.
من هنا يواجه الكاتب- في اغلب موضوعاته- النموذج الذي يغتال الوعي ويسحق ارادة الانسان، أو يسكت صوته، ويقمعه تماماً، ومن ثم يقتله في داخل نفسه.
هنا يتمزق نسيج المعنى الأثير، ويظللنا الطريق، بحيث لا يصبح بمقدورنا معرفة إلى أين يؤدي بنا الدرب وإلى أي سبيل سنصل؟
( أبواب إلى المعنى) مجال خصب للقراءة والفهم، مساحته واسعة في عالم محاصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: حصاد العام 2024

من مسالك الإبهار والمخاتلة السردية

سامانثا هارفي, بلاغة الجماد

التشكيلي العراقي عبد العزيز الدهر..هل هي عودة لمعارض الألوان المائية المنحسرة؟

مسرحية الجدار.. حرية التمسرح/ التمرد الجمالي المعاصر

مقالات ذات صلة

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له
عام

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

ميسرة كمال*ترجمة: لطفية الدليميغيابُ المعنى يخلعُ الألوان من حياتنا ويجعلها باهتة. كلّ شيء مع غياب المعنى يتضاءل إلى لون رمادي خافت، ويتحرّكُ بكيفية آلية وبلا مبالاة كاملة نحو وجهة تعبث بها أيادي القدر. تماماً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram