علي حسين
كان القاص السوري زكريا تامر رئيسا لتحرير مجلة المعرفة السورية عندما قرر نشر مقطتفات من كتاب رائد التنوير السوري عبد الرحمن الكواكبي " طبائع الاستبداد " كافتتاحية عدد نيسان عام 1980 في ذكرى تأسيس حزب البعث، ليفقد بسبب هذه الجرأة وظيفته ، ويقرر مغادرة سوريا .
منذ ايام اقرأ في قصص زكريا تامر، بعد ما حدث في سوريا خلال الايام الماضية وما ش، واكتشاف السوريين ان الاسد الذي ظل يزأر في وجههم ما يقارب الربع قرن ، تحول في ليلة وضحاها الى فأر مذعور ، ترك الخطابات الطويلة جانبا وقرر ان يحمل معه ملايين الدولارات واكوام مكدسة من الذهب .
أعدت قراءة زكريا تامر ، لكي أعرف إلى أي مدى لم نعرف هذه الجمهوريات التي صدعتنا بخطب البطولة ومقاومة المحتل وتحرير اخر شبر من فلسطين . سيد القصة السورية الذي قرر ان يترك مهنة الحدادة ليكتب قصصا تحمل روح التمرد والحزن ، مستخدما مطرقة الكتابة في فضح " الاستبداد " . في مجموعته القصصية الشهيرة " النمور في اليوم العاشر" يقدم لنا حكاية النمور التي روضها سجانها حتى صارت تأكل العشب وتقلد صوت الحمير ، وتموء كالقطط ، " في اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم.. قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش.. ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً. وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة " .
من هذا القفص الذي تحول الى مدينة ، والنمور الى شعوب جائعة تهتف في الساحات والشوارع ، كان زكريا تامر يطلق شعلة التمرد ضد الاستبداد ، مؤمنا ان المروضين عابرين ، بينما النمور – الشعوب - هي الباقية. ظلت قصصه حادة لكنها انيسة لوحدتنا ، مؤلمة لكن فيها اشياء من ضوء الحرية ، وفي الوقت الذي قررفيه الكثير من المثقفين والكتاب ان يعقدوا مصالحة مع المروضين والسجانين ، نجد زكريا تامر يتمرد على القفص ويواصل ملاحقة المروضين في كل قصة ينشرها
عندما كتب السوري عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» عام 1902 لم يكن بإمكانه تخيل أن الاستبداد الذي شخصه سيصبح آفة الآفات في الجمهوريات العربية وان كتابه سيقى يثير ريبة وقلق المستبدين ، كما حصل مع زكريا تامر الذي كتب قبل اعوام من منفاه :" إن النمور الحقيقية في أقفاصها تنتظر مقدم لحظة غضب تفترس فيها مروضيها " .