أتت خطوة الرئيس المصري، بإلغاء الإعلان الدستوري، الذي منحه صلاحيات استثنائية متأخرةً ، وتحت ضغط الشارع ، وبعد نشوب أزمة سياسية حادة، وهي خطوة ناقصة، من حيث أبقت الاستفتاء على مشروع الدستور المثير للجدل في موعده، وبما ينذر باستمرار الأزمة، ونشوب مخاوف حقيقية من تكريس الانقسام في المجتمع المصري، وهو انقسام تعمد بالدم عند أسوار قصر الاتحادية، حيث مقر الرئيس المحاصر بحشود المصريين، الرافضين لتمتعه بامتيازات سلطوية، لم يحصل عليها أي دكتاتور من الذين تتابعوا على الحكم، منذ إطاحة النظام الملكي، قبل أكثر من ستين عاماً.
لا يؤشر تراجع الرئيس عن بعض إعلانه الدستوري، على فهم طبيعة ما يجري في مصر اليوم، بقدر ما يؤكد أنه تراجع تكتيكي، تواجهه جبهة الانقاذ الوطني، بالدعوة إلى الاستمرار في التظاهر والاحتشاد السلمي، حتى تحقيق المطالب، ملوحةً بالإضراب العام، لإسقاط ذلك الإعلان، باعتباره باطلاً من أساسه، وفاقدا للمشروعية والشرعية، وإرجاء الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي تصفه بالباطل، والصادر عن جمعية مشكوك في شرعيتها، وتتهمه بمصادرة الحرية، وافتقاده إلى ابسط ضمانات حقوق الفلاحين والعمال والموظفين والنساء والاطفال، وكافة فئات المجتمع المهمشة، وبما سيقود إلى إعلان الإضراب العام، مع ما يعنيه ذلك من نتائج سلبية، تمس حياة المواطنين واقتصاد البلاد المنهك، ويؤثر على السلم الأهلي.
قبل أن يعلن مرسي قراراته، كان الإخوان المسلمون يسعون لتوريط رجلهم في القصر الرئاسي، بعد أن ورطوه بالإعلان، وتحديد موعد الاستفتاء على الدستور، فقد طلع علينا المرشد العام للجماعة بتصريحات، سمعنا مثلها الكثير، وفيها أن هناك مؤامرة خارجية وداخلية ضدهم، متجاهلا أن الجماعة ورطت رجلها في إعلان " غير دستوري"، لتناقضه بالكامل مع ركنين أساسيين، حلف اليمين على احترامهما، وهما فصل السلطات والمحاسبة، حيث جمع بين يديه السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع بروز الشهوة لضم القضائية، وكل ذلك معصوم من أي مساءلة.
بات واضحاً أن هناك خلطاً عند جماعة الإخوان، فهم لم يدركوا أنهم في موقعهم السلطوي كأغلبية، يستطيعون فقط إدارة الشؤون العامة المتغيرة، ولكن وفق أنظمة ثابتة، ولم يدركوا أن الدستور هو الثابت، الذي يمنح كل المواطنين نفس الحقوق، بغض النظر عن الدين أو الفكر أو السياسات، وأنه بغير ذلك يتحول الحاكم إلى دكتاتور، في زمن تمرد فيه المصريون على دكتاتور، كان يمتلك من أدوات السلطة، ما يفوق كثيراً ما امتلكته جماعة الإخوان، التي تدير القصر الجمهوري على أساس مصلحتها الحزبية، وليس على أساس المصلحة العامة لكل المصريين.
الرئيس محمد مرسي مدعو لأن يكون رئيساً لكل المصريين، وليس أداة تنفيذ بيد المرشد العام للجماعة، التي لم تكن وحدها من أوصله إلى الحكم، وليس غريباً اليوم أن يتواجد في صفوف المتظاهرين ضد قراراته، من منحه صوته في الانتخابات، على أساس مشروعه النهضوي، الذي يتم التراجع عنه يومياً، لصالح استبداد الجماعة بالحكم، باعتبار أن الرئيس الإخواني، ليس أكثر من أداة تنفيذية بيد مجلس الشورى، يعمل لإعلاء مصالح الإخوان، على مصلحة الوطن والمواطن.
مؤكد أنه حتى التراجع الجزئي لمرسي، لن يرضي صقور الجماعة، المتحفزين للتشبث بالسلطة، تحت شعار الدفاع عن الثورة، التي اندلعت بدونهم وقطفوا وحدهم ثمارها، ومؤكد أن القوى الشعبية لن تهدأ، حتى يتم التوافق على أن الديمقراطية هي أساس الحكم، وأن العودة إلى حكم القائد الفرد، وتسمية الدولة باسمه لم تعد ممكنة، وأن التوافق يجب أن يظل السمة الأساس في حياة مصر، وعلى أساس أن لا أحد يحب الوطن أكثر من الآخرين.