بغداد/ المدى
تنشر (المدى)، نص كلمة رئيس المجلس العراقي للسلم والتضامن، خلال المؤتمر الخامس لانعقاد المجلس.
نص الكلمة ادناه:
قـد يـبدو احـيانـاً لـبعضنا، ان مجـلسنا وسـواه مـن مـجالـس السـلم والـتضامـن أُسـتهلك مـن حـيث الـضرورة والمـهام وصـار مجـرد واجـهة لا فـعالـية لـه. وهـذا مـا كـان يـتردد فـي بـعض اوقـات الـتراجـع فـي نـشاطـاتـها وتـأثـيرهـا خـصوصـاً فــي المــنتديــات الإقــليمية والــدولــية بــعد غــياب الــقطب الــدولــي المــشارك فــي الـعولمـة الـتي تـسيدت فـي الـعالـم ثـنائـية الـقطبية مـع مـا لازمـها مـن صـراعـات تنطوي احيانا على مخاطر على الأمن والاستقرار والسلم في العالم .
لــكن الــواقــع المــتكون بــعد نــهايــة ثــنائــية الــقطبية وهــيمنة الــولايــات المتحــدة الأمـــريـــكية عـــلى الـــعالـــم جـــعل مـــن التهـــديـــد بـــالحـــروب المحـــلية والإقـــليمية والـصراعـات الـدولـية حـالـة مسـتدامـة دون ان تـردعـها او تـخفف مـن غـلوائـها اي قــوة مــوازيــة بــما فــي ذلــك الســلطة الامــمية المــتمثلة فــي مجــلس الأمــن وأذرعـها الاخـرى الـتي فـقدت بـعضها سـلطتها المـعنويـة بـفعل تـحكم الـسيد الــواحــد عــلى الالــتزام والــتطبيق . ويــبدو هــذا واضــحاً فــي حــزمــة الــقرارات الـخاصـة بـالـقضية الفلسـطينية والـصراع الـعربـي الفلسـطيني وسـواه مـما يتعارض مع مصالح من تحت تصرفه ادوات القرار ونفاذه .
مــن هــذا الــواقــع الجــديــد الــذي يشهــد خــلافــاً لمــا أشــاعــته مــن امــل كــاذب الـقيادة الـسوفـيتية المـنهارة عـشية تـداعـيها اسـتسلامـاً ، وحـلها حـلف وارسـو وتــفكيك الاتــحاد الــسوفــيتي ، ان ذلــك يــرتــبط بــالــتزامــات تــؤدي تــدريــجياً لاخـلاء الـعالـم مـن الأحـلاف والـقواعـد الـعسكريـة وأي مظهـر لحـرب بـاردة او ساخنة .
ويــتبدى الــيوم الــواقــع الافــتراضــي الــذي روجــت لــه قــيادة غــوربــاتــشوف - يـلتسن، مجـرد اوهـام ذرائـعية لـتوجـهات خـائـرة تـاريـخياً، بـغض الـنظر عـن وجــهات الــنظر المــتبايــنة لــرحــيل الاتــحاد الــسوفــيتي تــحت ثــقل تــصدعــات داخـلية مـوضـوعـية، أو تـعارض ٌ نـظري فـي الـتطبيق . فـالـناتـو صـار قـوس تهـديـدٍ فـي خـاصـرة روسـيا. والحـرب فـي أوكـرانـيا فـتيلها أشـتعلت بـرؤيـا "دفـــاع وجـــودي "
والـــقواعـــد الـــعسكريـــة تنتشـــر فـــي كـــل بـــقاع الـــعالـــم والـبوارج الحـربـية تـجوب بـحار ومـحيطات الـدنـيا . والتهـديـد والـردع يـتصاعـد بــقوة المــنطق الــسائــد فــي الــعلاقــات الــدولــية حــتى فــي مــياديــن الــتنافــس الاقـــتصادي والـــعلمي والـــتكنولـــوجـــي والـــسيبرانـــي واخـــيراً فـــي مـــجالات التفوق في توظيفات الذكاء الصناعي ..
كـل هـذا الـتطور بـقدر تـوظـيفه السـلبي ومـا يـنطوي عـليه مـن تهـديـد قـد يـنذر بحـــرب عـــالمـــية ثـــالـــثة يـــتطلب احـــياء كـــل صـــيغ وأطـــر الـــتعبئة المـــجتمعية والـسياسـية وروافـد تحـريـك الـرأي الـعام المحـلي والـعالمـي واعـتماد الـوسـائـط الــتكنولــوجــية الحــديــثة فــي مــواجــهة الــعسكرة وتــغذيــة الــنزعــات الــعدوانــية والحـــروب ، وتـــكريـــس صـــيغ الـــتضامـــن الامـــني لـــصالـــح اســـتتباب الســـلم والاستقرار في العالم .
وبـقدر تـعلق الأمـر بـنا فـي الـعراق ، فـنحن امـام مـهام وطـنية مـتداخـلة فـي اطـار تـصفية كـل مـا يـشيع بـيئة الـتصادم الاجـتماعـي ، ويـشجع عـلى اثـارة الـنزعـات الـتي تـمزق الـنسيج الاجـتماعـي ويهـدد السـلم الأهـلي ، ويـصدع الاطـر المـوحـدة وطـنيا. وهـو مـا تـعكسه مـظاهـر الـتمييز الـطائـفي والسـلاح المـنفلت والـتنظيمات المسـلحة الـطائـفية وسـوى ذلـك مـن المـرتـكزات المـفضية الى المواجهة كبديل للتضافر والتكافل في المجتمع.
سيداتي سادتي
فــي الــثامــن مــن هــذا الشهــر خــرج إلــى الــشوارع والمــياديــن، الــسوريــون المنبهــــرون بــــانــــعتاقــــهم بــــعد عــــقودٍ مــــن الاســــتبداد، والقهــــر والــــتصفيات الجســديــة والــسياســية. خــرجــوا وهــم يــرفــعون عــلم التحــرر والاســتقلال ذي الــنجوم الــثلاثــة، وغــابــت فــي حــاويــات الــقمامــة وعــلى قــارعــة الــطرق وزوايــا
الــحارات كــل مــا يــؤشــر لــزمــن ٍ جــردتــهم الســلطة الــغاشــمة فــيها مــن ســيماء إنــسانــيتهم، وتــمثلاتــها: الحــريــة والــكرامــة والــخيار المســتقل والأمــل بــحياة كريمة .
وفــي هــذا الــيوم فــوجئ الــسوريــون، بــل والــعالــم بهــروب غــامــض ٍ فــي جــنح الـظلام رمـز ذاك الـزمـن، وكـأنـه يـريـد بـذلـك أن يـؤكـد حـقيقة تسـتعصي عـلى الإنـكار والـتجبر، أن الـطغيان والـجبروت المـخاتـل، المتسـتر بـالسـلاح ومـسالـخ الـسجون والمـعتقلات، إنـما هـو مجـرد كـائـن مـشوه، جـبان ، لا يـعرف سـوى الهزيمة حين يتجرد من اسباب طغيانه.
وهــكذا هــم كــل اولــئك الــذيــن يــتجبرون عــلى شــعوبــهم بــقوة الســلاح والقهــر والسلطة الغاشمة..
فـي الـثامـن مـن هـذا الشهـر، مـع إسـدال سـتار الهـزيـمة عـلى نـظام الأسـد -
الـبعث، سـقط آخـر مـا أنـتجته الانـقلابـات الـعسكريـة ومـا تـمخضت عـنها مـما سُــــــميت بـ " الأنــــــظمة الــــــوطــــــنية " الــــــعربــــــية، ومــــــحور "جــــــبهة الــــــصمود والتصدي" ، و "الممانعة"! والـحقيقة، أن تـلك الأنـظمة الـخاويـة مـن كـل روح وطـنية، قـدمـت خـدمـة كـبيرة لمـــشاريـــع إســـرائـــيل الـــتوســـعية فـــي المـــنطقة، عـــبر اضـــعاف الـــدولـــة وإرادة الــشعب والــقضاء عــلى روح المــقاومــة الــوطــنية، مــا مــكن اســرائــيل مــن شــن الهجـمات الـعدوانـية مسـتهدفـة عشـرات المـواقـع الـعسكريـة فـي أرجـاء الـبلاد، وتــوغــل قــواتــه فــي مــحيط الــجولان المــحتل، والــغاء اتــفاقــية وقــف الــنار لــعام 1974، واعلان نيته فرض السيطرة على مناطق حدودية واسعة.
ســقطت تــلك الأنــظمة بــعد أن خــتمت مــرحــلة مــمتدة مــنذ تــعميد اســرائــيل كـدولـة " غـاصـبة " فـي مجـلس الأمـن عـام ١٩٤٨ كـبّلت خـلالـها الـحكومـات الـــعربـــية المـــتعاقـــبة تـــحت شـــعار تحـــريـــر فلســـطين ارادة الـــشعوب الـــعربـــية بـــقوانـــين الـــطوارئ والـــقمع وشـــد الحـــزام عـــلى الـــبطون ، وبـــددت خـــزائـــنها للتســليح وعــسكرة المــجتمع بــدعــاوي ومــزاعــم " خــلق " الــتوازن الــعسكري الاســـتراتـــيجي مـــع الـــعدو فـــي الـــقوى تـــحضيراً لـــلمنازلـــة الـــكبرى الـــتي فـضحتها أكـبر بـروفـة لـها فـي الـخامـس مـن حـزيـران عـام ١٩٦٧ بـالهـزيـمة التي لم تتوقف حتى يومنا هذا !
فــي الــثامــن مــن هــذا الشهــر انتهــت مسخــرة مــنظومــة مــخادعــة ، بــنهايــات قادتها كما كانت عليه نهايتها :
أكـــثرهـــم مـــثاراً لـــلشفقة الإنـــسانـــية فـــي مـــاســـورة أوســـاخ وفـــضلات وهـــو يسـترحـم بـعد ان كـان يـصرخ فـي الاجـتماعـات الجـماهـيريـة وفـي اجـتماعـات الـقمم الـعربـية ، أنـا مـلك المـلوك ورئـيس الـرؤسـاء ، والآخـر يـلتقط مـن حـفرة جــرذان ذلــيلا مــعفراً بــالــقذارة والــطين ، وثــالــثهم تُــنقل جــثته بــسيارة حــمل مـكشوفـة بـعد ان حـاول الهـرب ، وآخـرهـم لـم يـنظف حـتى مـكتبه مـن اوراقـه الـسياديـة وصـوره الـعائـلية المـكشوفـة . وانتهـت تجـربـة عـدن الـواعـدة بـمذبـحة مـروعـة لـلأخـوة المـتصارعـين عـلى الاحـقية فـي السـلطة والـنفوذ حـيث الـثورة
تأكل أبناءها .
وكـما كـانـت تـفعل الاحـزاب الـشيوعـية والـعمالـية فـي خـتام اجـتماعـاتـها وهـي تــتدارس ســبل مــواجــهة انــتكاســة او هــزيــمة اذ تــختم بــيانــاتــها بــالــعبارة المــتكررة "رغــم الــتراجــعات والــخسائــر" : ، فــإن الإمــبريــالــية والــرجــعية لــم تحقق كامل اهدافها ..!
نجـد الـيوم مـن يـواجـهنا بـعد فـداحـة الـخسائـر بـالأرواح والمـمتلكات والأوطـان" بـأنـنا انـتصرنـا " ، فـالـخسائـر فـي الأرواح والمـمتلكات مـن وجـهة نـظرهـا "مجرد خسارة تكتيكية " ، المهم الصمود والمزيد من التضحيات ..!نــعم نــحن لــم نخســر ،إذا كــان بــمعنى محــدد لا يــقبل الــتأويــل : فــشعوبــنا وقـواهـا الـحية أُخـذت عـلى حـين غـرة ، مـقيدة الارادة ، لـم تـشارك بـما تـمتلكه مـن حـكمة وطـاقـة وقـوى مسـتعدة لـلدفـاع عـن أوطـانـها ، لأن أوطـانـها نـفسها وفــي غــفلة مــنها أُســرت وج ُ ــردت مــن ســيادتــها وقــرارهــا المســتقل ســواء عــبر الأنـظمة المسـتبدة المـعزولـة الـفاسـدة كـما هـو حـالـنا فـي الـعراق ، أو التسـلط على مقدراتها بفعل المتسلطين عليها .
لـكن عـلينا إذا اردنـا الـنهوض ومـواجـهة المـخاطـر المحـدقـة بـبلادنـا والـتصدي للتحــديــات أن نــعي ونــتيقظ ازاء مــا نــواجــه مــن حــقائــق ومســتجدات فــي المشهــد الــسياســي الــذي يــعيد تــشكيل او مــحاولــة اعــادة تــشكيل الــخارطــة الـجيوالـسياسـية فـي مـنطقة الشـرق الأوسـط وبـالتحـديـد فـي عـالمـنا الـعربـي والعراق كطرف مؤثر .
والانـتباه يـقتضي فـضح الـتشوهـات الـبنيويـة الـتي تـعكسها مـقاومـة بـناء دولـة وطـنية ديـمقراطـية تـعتمد المـواطـنة الحـرة والـعدالـة الاجـتماعـية . وتـنزع نـحو بســط الانــفراد بــهيمنة ســلطة الأقــلية المــنفّرة المــعزولــة حــتى عــن طــائــفتها وإغراق المجتمع برثاثة لا سابق له في اشد الظروف قتامة في تاريخنا .. إن بـلادنـا الـيوم ، خـرابـة ، تـفتقر الـى دولـة تـحتضن شـعبنا بـكل تـلاويـنه دون اســتثناء وقــواه الــحية . ويجــري اجــهاض كــل مــحاولــة لإعــادة اســتكمال مــا بـــني مـــن أســـس شـــبه دولـــة " خـــربـــة " تـــآكـــلت بـــفعل مـــا خـــلفه الاحـــتلال والمــنظومــة المــتصدعــة . وهــو مــا يجــري الــتعبير عــنه بــفعل الــفساد وأدواتــه والمـحاصـصة الـطائـفية المـقيتة والانـفراد بـالسـلطة ونهـب وتـبديـد ثـروات الـبلاد واشــاعــة التخــلف الــظلامــي والأمــية الأبجــديــة وثــقافــة الإقــصاء وتــمزيــق الــنسيج الاجــتماعــي والحــط مــن مــفاهــيم الــسيادة والاســتقلال ، والــتصفية المــــتدرجــــة لمــــظاهــــر الحــــريــــات والــــتعدديــــة والــــتنوع والــــحياة الــــسياســــية الديمقراطية .
وهـذا المـطمح الـوطـني المـلح والآنـي بـإقـامـة دولـة وطـنية اتـحاديـة ديـمقراطـية اســاســها المــواطــنة الحــرة ، لا يــمكن تــحقيقه بــالــتجاور مــع الســلاح المــنفلت والـتنظيمات الـتي تحـملها وتـروع الـعراقـيين بـها وتسـتحوذ بـاعـتمادهـا عـلى مــقدرات الــعراق وتــضعها فــي خــدمــة الــغير عــلى حــساب المــصالــح الــوطــنية العليا وسلامة العراق والعراقيين .
وهـو مـا يسـتلزم إذا مـا أُريـد اسـتنهاض الـعراق لـيصبح بمسـتوى الـتصدي
لــلمخاطــر والتحــديــات ان نــباشــر الــتعبئة الــسياســية والمــجتمعية بــمختلف الأســالــيب والــوســائــل الســلمية وبــما يــكفله الــدســتور لاشــاعــة بــيئة دافــعة لـلإصـلاح الـسياسـي والـتغيير بـما يـؤدى الـى تـجاوز الـرثـاثـة المـهيمنة بـكل تجــلياتــها والــتمهيد لــعقد اجــتماع وطــني تــشاوري شــامــل يــعاد فــيه تــأكــيد مـيثاق وطـني جـامـع عـابـر لـلطائـفية ومـحاصـصتها وتـمثيلياتـها ، يـركـز عـلى الـيات بـناء الـدولـة الـوطـنية المسـتقلة عـلى اسـس ديـمقراطـية مسـتوحـى مـن الـدسـتور الـنافـذ بـكل أركـان ومـقومـات الـدولـة بـلا مـيليشيات ولا سـلاح مـنفلت ولا شرعية قانونية يطالها الفساد والتزوير ونهب المال العام والتعديات ..
واذا كـــان لابـــد مـــن الاخـــذ بـــالاعـــتبار ان الشـــرق اوســـط جـــديـــد ســـيكون اســتحقاقــاً إقــليمياً - عــربــياً مــدعــومــاً دولــياً ، فلنســتعد لــيكون ألــعراق قــوة دافـعة مـن مـنطلق وطـني لشـرق اوسـط جـديـد يـعزز امـكانـات تـقريـر المـصير للشعب العربي الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وأنـــي إذ اســـتثني نـــفسي، فـــلابـــد مـــن الإشـــادة بـــما قـــدمـــه مجـــلسنا مـــن تـصورات وأفـكار، ومـا بـذلـه نـاشـطوه عـلى اخـتلاف مـقامـاتـهم، مـن جـهود فـي سـبيل الهـدف الـنبيل: الـعمل بـكل الـوسـائـل لـتعزيـز ودوام السـلم المـجتمعي والــتعايــش الأخــوي بــين كــل مــكونــات وأطــياف مــجتمعنا الــعراق .. بــين كــل المواطنين.
وتـظل ايـضا. بـين مـهامـنا نشـر قـيم السـلم والـتضامـن بـين الـشعوب الـعربـية وفي العالم بأسره.
ومن هذا تتحدد المهام الراهنة لمؤتمرنا هذا.