TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإبداع وروح الأسرة

الإبداع وروح الأسرة

نشر في: 22 ديسمبر, 2024: 12:03 ص

ياسين طه حافظ

هو هذا ما نحتاج له، احياناً من دون ان ندري واحياناً، وهي ساعات الوعي، ندري ونسعى لان نمتلك ونمارس. ما اتحدث عنه، هو الحميمية التوافقية، او "الاسرية" في خلق بيئة، وسطٍ، نتدرج حتى نصل الى بلد، الى حضارية البلد، وذلك الدفء المفرح.. الجماعة المتقدمة هذه، هي اساساً هدف وغاية كل الانشطة الثقافية، هي مطلب وغاية مجتمع ليفخر او يزهو. لكن قبل ان تكون هذه، ثمة شرط: الّا تكون حماسةَ لهوٍ، او فورة تولّع مما يلفت الاهتمام قليلا ويمضي. فعديد من المتأدبين يقعون ضمن هذه المرحلة كما عديد من المثقفين الهواة- تمييزاً لهم عن المتخصصين والبناة. خلاصة الكلام، ان الثقافة ونشاطاتها تسعى لخلق حالة جديدة او متقدمة.
حسناً، اذا كان هذا هو المسعى، فاي استخفاف، او لهو غير وارد. والمثقف بعدئذ سيكون بنّاءً وصاحب منهج للوصول. بعض ناسنا لا يحتمل اي اشارة لعبثية او لهدر وقت ومال بهوس غير مجدٍ. علماً ان اساس كل عمل، الجدوى، وهي هنا الجدوى الثقافية، هي من بعد، كما اوضحنا، جدوى حضارية وهنا اختلف الاديب الجاد، الكاتب الجاد، الشاعر، الرسام الجاد المجتهد عن غيره. الهواة، اللاهون بالعمل، يظلون في مستوى الهوس واللهو. هم غير الساعين، والبناة، غير المجدين يكدحون لجديد او لما هو اكثر تقدماً. اولاء يتحركون ويعملون في خلواتهم ضمن رؤية ومنهج وطموح خاص بهم- والخاص بالفرد، عمل سيكون مسهماً في البناء الجماعي من غير اعلان عن ذلك.. اولاء فريق لا يُرى، او افراد في فرق تجديد. الكاتب الجاد في انصرافهالى عمله او فنه، يجدد نفسه، من ثم هو يقدم شخصية متجددة وعملاً متقدماً واسمى، ويضيف انسانية بنوع اكثر حضارية او احدث او متقدمة تقنيةً او ذوقاً او رؤية. منهجية العمل، جدّيته وخصوصيته غير العمل السائب، او الفوضوي. يمكن ان تميز كاتباً عن كاتب، رساماً عن رسام موسيقياً عن موسيقى ومخرجاً عن مخرج، بذلك التميز. هل هو منهجي جاد صاحب مشروع او رؤية، ام فوضوي؟ المسألة ليست مسألة احترام ولكن مسألة تصنيف، الاحترام يمكن ان يكون للجميع، التقدير مختلف.
لا اريد تسلطاً معيارياً ولكني اريد ان أؤكد فيما اكتب من مقالات على نوع الممارسة وقيمتها البنائية، او دورها في تقدم مستوى "الفردي" كما في اسهامها الحضاري. ولذلك احذر من اضاعة العمر بما هو عابر. نحن في العمل نعتمد العقل اولاً ونفيد من العاطفة، لا نعتمد العاطفة اولاً لنفيد من العقل. والإ ستكون الفائدة قليلة ويحملها العابر معه وهو يضيع ويعبر.
توصف الحضارات بانها تشكيلات اجتماعية متجددة في أُطر ثقافية ودينية ونظريات او مديات افكار. هي كيانات اجتماعية ترسم مظهراً فكرياً وتقنياً متقدماً. وسؤالنا:من يرسمه؟ انها، المحصلة التي ترسمهُ؟انها دينامية مجمل الافعال والافكار والنشاطات الفردية او المؤسساتية لمجتمع الحضارة او بيئتها. هذا يعني انا الكاتب وانت التكتب والتعمل والتفكر والتصمّم والتكافح البكتيريا ولتصنع الزجاجة… تشتركون في صنع المحصلة التي اسميناها حضارة او مجموعة الافعال والنشاطات والاشكال الحضارية.
في هذا لا تعميم يضيّع الفردية ولكن اطار يؤكد حضور الفردية والمشاركة في الانتاج الجمعي وفي المحصلة الحضارية. هنا يشعر الفرد كاتباً، مثلاً، باهمية جهده الخاص ومثابرته على مشروعه. انتاجهاو إسهامه جزيئة حضارية مُشاركة في صنع الحضارة. هنا ايضاً، اهمية ادراك الكاتب المتميز الرسام، الصانع، او محاول الاكتشاف. اولاء بتنوعهم ومجموعهم في المدينة، في البلد والدولة وفي القارة والعالم يشكلون أُسْرةً، مجاميع اسرية منتجة بينهم مشاركة غير مرئية وانتمائية وجو ثقافي خاص، و سواءٌ كانت الممارسة ثقافية، اوطبيةاو كانت، للايضاح، فناً او معماراً او ادباً.
الشاعر المجد. يعرف رفاقه المجدّين وبينهم صلات خفية ان لم تكن واضحة وكذا المسهمون المائزون والمجددون في حقول التخصص او حقول الابداع الاخرى.والكاتب المجد يعرف الكتاب المجدين المجتهدين ومثلهم الباحثون والعلماء.
قد يحصل استياء او عدم ارتياح او عدم الفة من "المشابهين" لكن السوى!" اي الذين بينهم قربى من المهنة ولكن بينهم بُعْد من مستوى الجدية والفعل.. اولائك منصرفون لمشاريعهم واولاء، العمل الثقافي بعض من اهتمامهم وليس اهمها. هو امر طبيعي، ان يختلف مستوى ونوع الحميمية. ايضاً طبيعي ان يكون ذلك في اي بيئة ابتكارية او اجتهادية. والغريب والمفرح، ان الجميع يسهمون في انتاج الحضارة وكل يختلف عن سواه بوعي وباهمية ما يضيف او يسهم فيه. من هذه العائلة المجدة وممن حولهم ياتي التغيير وكل بمستوى وبحجم.
مجموع أُسَر الممارسة يرسم ساحة معرفية وتقنية وعلمية، هذه "الساحة" قائمة على التماثل العقلي والمهني وافرادها هم الخطوط الرئيسة التي يقوم عليها النسيج الاجتماعي للمعرفة. حَمَلة الممارسات اولاء هم المظهر الخارجي الحي للحضارة، لكيانها القائم والمتطور مع ما يُتوقَع منه.صاحب الجهد الفرداني، الخاص ببرنامجيته او "مشروعيته" ومنهجه يعمل كأي صاحب مشروع، هو يختلف مكانة وتركيزاً وبالتالي اسهاماً حضارياً عن الكاتب او العامل الثقافي ضمن الحماسة العامة في الحقل، الاعمال العظيمة، لهذا السبب وبهذا النظر، انتجها الفرديون الكبار، اصحاب المنهج الخاص والاسلوب الخاص ثم المشروع الابتكاري الخاص، هكذا الكتاب العظام والشعراء والصناعيون العظام فورد فرد صناعي، وتولستوي كاتب فردي بمسيحيته الخاصة وكتابته الخاصة وحياته. وقل مثل هذا عن بوشكين او همنغوي او ثربانتس…. عديد حولهم كانوا وكانت لذلك العديد ديناميكية بمستوى ما ولكنها غير مترابطة والتجانسات مهلهلة وليس لمجموع الجهود ما يرسم برجاً او بناء. الاعمال الفردية، بناء حجراً حجراً ويوماً يوماً وكل الروح والحيوية والحماسة للعمل وقليلة عادةً الكلمات…ما اردت قوله تحديداً ان لنا اسماء كتاب وفنانين ومفكرين يعملون كلاً بمفرده وبصمت، في مراكزنا الثقافية في المدن او بعيداً عنها. اولاء يؤلفون جواً ثقافياً، اسرة ثقافية بينهم وبين موضوعات اهتمامهم حميمية غير مرئية احياناً، لكن تجمعهم روح العائلة القفافية المبدعة او المفكرة حتى وان كانوا متباعدين في المدن او الضواحي. اولاء يتمتعون بالروح الاسرية، بصلات الثقافة وجو الافراد الذين يعملون من اجل جديد، يحققون للاسرة الثقافية تقدماً، قد لا يبدو مرئياً دائماً، ولكن النتاجات تشير الى ما يرضي او يفرح،وهذا ليس قليلاً..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مخاوف تسلل "داعش" من سوريا تتزامن مع حوادث "مريبة" في كركوك

المجلس العراقي للسلم والتضامن يعقد مؤتمره الخامس وينتخب قيادته

الرئيس مسعود بارزاني يحيي المؤتمر

كلمة فخري كريم في المؤتمر الخامس للمجلس العراقي للسلم والتضامن

الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

 علي حسين في قراءة الكلمات التي كتبها الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الامارات، وهو يهنئ الفنان العراقي ضياء العزاوي لفوزه بجائزة " نوابغ العرب " ، نعيد اكتشاف تلك المقولة التي كتبها...
علي حسين

قناديل: هدايا (الرفاعي)

 لطفية الدليمي كلُّ كتابٍ ينشره الدكتور عبد الجبار الرفاعي هو هدية حقيقية لقرّائه. أسبابُ هذا كثيرة لعلّ أوّلها هو حفره في أرض صلبة كأنّها الصخر. هو يعرف قبل سواه أنّ هذه التربة الصخرية...
لطفية الدليمي

قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

طالب عبد العزيز في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم،...
طالب عبد العزيز

الإبداع وروح الأسرة

ياسين طه حافظ هو هذا ما نحتاج له، احياناً من دون ان ندري واحياناً، وهي ساعات الوعي، ندري ونسعى لان نمتلك ونمارس. ما اتحدث عنه، هو الحميمية التوافقية، او "الاسرية" في خلق بيئة، وسطٍ،...
ياسين طه حافظ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram