TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

نشر في: 22 ديسمبر, 2024: 12:04 ص

طالب عبد العزيز

في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم، هي جنت المال والوجاهة والسلطة لكنها لم تجن الزمن الذي سيمكنها من الاستمرار، وها، نحن نشهد نهايتها في سوريا ولبنان والعراق وإيران في القريب.
ربما لأنَّ الزمن العربي مختلف عن نظيره الإنساني، فهو قابل للمط حتى يشاء الله، والعرب المسلمون غير معنيين بالمنقلب الكوني، الذي يعصف بالعقل كل ساعة ودقيقة، والجري وراء العلم والتطور والسيطرة بات هاجس شعوب الأرض، فيما نحن واقفون في الزمن، ننتظر ساعة تحدث المعجزة، التي انتهى زمنها، وهكذا صرنا نخسر الحياة ومستقبل اجيالنا، بل ولم يعد حاكم في الأرض يحسب حسابنا في منظومة التغيير تلك، بل هناك من يرى في التخلص منا جزءًا من مشروعه، وهذا واضح في ما يفعله نتنياهو بأهلنا في غزة.
لو أنَّ ما أنفق من الجهود والمال على الأسلحة والحروب في لبنان وسوريا والعراق واليمن كان قد استثمر في قطاعات التربية والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والخدمات العامة لرأينا بلداناً عظيمة في نهضتها، ولوقفنا على انسان مختلف في فكره وانتاجه ومستواه المعاشي، ولكانت مدنا قبلات لكل بني البشر، بل ولكان انساننا مرحباً به ومقبولا في المدن التي يزورها أو يقيم فيها. ولكانت أمريكا والدول الغربية لم تستخدم التنظيمات المسلحة في قتل بني جلدتها، هذا إذا أحسنا الظنَّ بأنَّ الفقه الإسلامي لم يتح لهؤلاء استعمال الدين في تحشيد آلة القتل التي مازالت تستعر منذ مئات السنين. لماذا لا نكشف عن (جرحنا النرجسي) بتعبير د. حيدر سعيد، الذي نتوجس من الخوض في الحديث عنه؟
يتوسلنا البعض بوضع لايك اعجاب أو التهليل والتعظيم بمناسبة تخرج دفعة من الطلاب الذين أتموا حفظ القرآن، أو الطالبات الصغيرات اللواتي أتممن البلوغ وعمرَ التكليف وصار لزاماً عليهن ارتداء الحجاب الشرعي، وما إلى ذلك من المناسبات، وهي كثيرة وتتناسخ لكنني كثيرا ما أتوقف عند المشاهد هذه قائلاً: ثم ماذا؟ وما انتفاع الامة بهذا؟ غير خاف عنّي ما يعتور ذلك من ردود أفعال قاتلة في معظمها، إذْ أنَّ القضية لا تتوقف عند الحفظ وارتداء قطعة القماش إنما عند العقل الذي سينتجه الفعل هذا، وعند الأجيال التي ستتمكن من تسلم السلطة ذات يوم، هم يصنعون جيلاً يرى في سماع الموسيقى والرقص جريمة، وفي ألوان الطبيعة إثماً، وفي تغريد البلابل خدشاً للحياء، وفي مدارس الباليه والمسرح والسينما والفنون الأخرى فعلاً يوجب القتل، وبذلك ستكون آلة الكمان عنده أخطر من بندقية الكلاشينكوف على حياته.
ستبدو أفعال وممارسات كهذه ذات معنى لو أنها اقترنت بنظام علمي مبني على مصلحة الانسان وصناعة مستقبله، ولا ضير فيها إذا كانت تتساوق مع ما يحتاجه الشعب من خدمات وتعليم وصحة، وستكون في موقعها حين تقترن بالحاجة الفعلية لها، لكنها ستكون أخطر حين توجَّه بالدرجة الأساس، وتحظى بأولوية في سياسة النظام، وتصبح منهجاً في الحياة. ولعل سؤالاً بسيطاً يطرحه عقل فاحص مفاده: ما انتفاع العراق بالملايين التي تحتشد في مناسبة دينية ما؟ وما الضرر الذي يلحق باقتصاده وبنيته الخدمية، وتأزيم الآخر المشترك، ثم ألا يفهم منه على أنه إحراج للطوائف الأخرى في البلاد، وتقديم رسالة احتراب مضمرة بأننا الجماعة الأكبر القادرة على رسم سياسة البلاد وبما يهدم فكرة المواطنة، التي هي قوام نجاح كل مسيرة وطنية؟ الآن وقد وضعت الصحف وجفت الأقلام وصارت العملية السياسية على المحك، ألا يحق لنا أن نسأل: هل انتفعنا من الأسلحة والحروب بشيء؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. كاظم مصطفى

    منذ 3 شهور

    ثبت للكثيرين من ابناء الشعوب الاسلاميه بان التدين السطحي للشعوب شعوب منافقه بعد ان جعلت الصلاة والصيام وحفظ القرأن والحجاب من اركان الاسلام ولم يفقهوا من ان هذه من الايمان بالله ورسوله وان عبادته اللاتزام لما امر به سبحانه من القيم ال 14 الصراط المستقيم

يحدث الآن

بوتين: علينا أن نختار السلام الذي يضمن أمننا

حظر تجوال شامل في طرطوس بعد أحداث "جبلة" الدامية

الصدر: أتابع "تيك توك" في أوقات الفراغ وبما يرضي الله

النفط: إنتاجنا من الغاز لا يسد حاجة محطات الكهرباء

النقل: 3 محافظات أكدت جاهزيتها لتنفيذ مشروع طريق التنمية

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram