طالب عبد العزيز
في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم، هي جنت المال والوجاهة والسلطة لكنها لم تجن الزمن الذي سيمكنها من الاستمرار، وها، نحن نشهد نهايتها في سوريا ولبنان والعراق وإيران في القريب.
ربما لأنَّ الزمن العربي مختلف عن نظيره الإنساني، فهو قابل للمط حتى يشاء الله، والعرب المسلمون غير معنيين بالمنقلب الكوني، الذي يعصف بالعقل كل ساعة ودقيقة، والجري وراء العلم والتطور والسيطرة بات هاجس شعوب الأرض، فيما نحن واقفون في الزمن، ننتظر ساعة تحدث المعجزة، التي انتهى زمنها، وهكذا صرنا نخسر الحياة ومستقبل اجيالنا، بل ولم يعد حاكم في الأرض يحسب حسابنا في منظومة التغيير تلك، بل هناك من يرى في التخلص منا جزءًا من مشروعه، وهذا واضح في ما يفعله نتنياهو بأهلنا في غزة.
لو أنَّ ما أنفق من الجهود والمال على الأسلحة والحروب في لبنان وسوريا والعراق واليمن كان قد استثمر في قطاعات التربية والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والخدمات العامة لرأينا بلداناً عظيمة في نهضتها، ولوقفنا على انسان مختلف في فكره وانتاجه ومستواه المعاشي، ولكانت مدنا قبلات لكل بني البشر، بل ولكان انساننا مرحباً به ومقبولا في المدن التي يزورها أو يقيم فيها. ولكانت أمريكا والدول الغربية لم تستخدم التنظيمات المسلحة في قتل بني جلدتها، هذا إذا أحسنا الظنَّ بأنَّ الفقه الإسلامي لم يتح لهؤلاء استعمال الدين في تحشيد آلة القتل التي مازالت تستعر منذ مئات السنين. لماذا لا نكشف عن (جرحنا النرجسي) بتعبير د. حيدر سعيد، الذي نتوجس من الخوض في الحديث عنه؟
يتوسلنا البعض بوضع لايك اعجاب أو التهليل والتعظيم بمناسبة تخرج دفعة من الطلاب الذين أتموا حفظ القرآن، أو الطالبات الصغيرات اللواتي أتممن البلوغ وعمرَ التكليف وصار لزاماً عليهن ارتداء الحجاب الشرعي، وما إلى ذلك من المناسبات، وهي كثيرة وتتناسخ لكنني كثيرا ما أتوقف عند المشاهد هذه قائلاً: ثم ماذا؟ وما انتفاع الامة بهذا؟ غير خاف عنّي ما يعتور ذلك من ردود أفعال قاتلة في معظمها، إذْ أنَّ القضية لا تتوقف عند الحفظ وارتداء قطعة القماش إنما عند العقل الذي سينتجه الفعل هذا، وعند الأجيال التي ستتمكن من تسلم السلطة ذات يوم، هم يصنعون جيلاً يرى في سماع الموسيقى والرقص جريمة، وفي ألوان الطبيعة إثماً، وفي تغريد البلابل خدشاً للحياء، وفي مدارس الباليه والمسرح والسينما والفنون الأخرى فعلاً يوجب القتل، وبذلك ستكون آلة الكمان عنده أخطر من بندقية الكلاشينكوف على حياته.
ستبدو أفعال وممارسات كهذه ذات معنى لو أنها اقترنت بنظام علمي مبني على مصلحة الانسان وصناعة مستقبله، ولا ضير فيها إذا كانت تتساوق مع ما يحتاجه الشعب من خدمات وتعليم وصحة، وستكون في موقعها حين تقترن بالحاجة الفعلية لها، لكنها ستكون أخطر حين توجَّه بالدرجة الأساس، وتحظى بأولوية في سياسة النظام، وتصبح منهجاً في الحياة. ولعل سؤالاً بسيطاً يطرحه عقل فاحص مفاده: ما انتفاع العراق بالملايين التي تحتشد في مناسبة دينية ما؟ وما الضرر الذي يلحق باقتصاده وبنيته الخدمية، وتأزيم الآخر المشترك، ثم ألا يفهم منه على أنه إحراج للطوائف الأخرى في البلاد، وتقديم رسالة احتراب مضمرة بأننا الجماعة الأكبر القادرة على رسم سياسة البلاد وبما يهدم فكرة المواطنة، التي هي قوام نجاح كل مسيرة وطنية؟ الآن وقد وضعت الصحف وجفت الأقلام وصارت العملية السياسية على المحك، ألا يحق لنا أن نسأل: هل انتفعنا من الأسلحة والحروب بشيء؟