محمد علي الحيدري
مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، برزت تركيا كأحد اللاعبين الرئيسيين المؤثرين في تشكيل مستقبل البلاد. خاصة وأن أنقرة طالما دعمت المعارضة السورية، وسعت إلى تحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
في هذا السياق، تتنوع الأهداف التركية بين تعزيز الأمن القومي، وتوسيع النفوذ الإقليمي، وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا.
لكن أحد أبرز دوافع تركيا في سوريا هو منع إقامة كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية. فأنقرة تعتبر "وحدات حماية الشعب" الكردية تهديدا لأمنها القومي، نظرا لارتباطها بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. وفي هذا السياق، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده لا يمكن أن تسمح بتقسيم سوريا مجددا بعد سقوط نظام بشار الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم الفصائل المعارضة والمشاركة في إعادة بناء سوريا. فهذا الدور يتيح لأنقرة التأثير في تشكيل الحكومة السورية الجديدة وضمان أن تكون الإدارة شاملة لجميع الأطراف. وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن الإدارة السورية الجديدة يجب أن تشمل الجميع، وأن الشعب السوري سيقرر الآن مستقبله.
من جهة أخرى، تهدف تركيا إلى تسهيل عودة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، والبالغ عددهم نحو 3.6 مليون شخص. وفي هذا الخصوص تسعى أنقرة إلى خلق بيئة مستقرة في سوريا تتيح لهؤلاء اللاجئين العودة الطوعية إلى ديارهم، مما يخفف العبء الاقتصادي والاجتماعي على تركيا. وقد أشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى أن تركيا بدأت العمل على عودة اللاجئين.
على الصعيد الدولي، تسعى تركيا إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لضمان تحقيق مصالحها في سوريا. هذا التوازن الدبلوماسي يتيح لأنقرة لعب دور محوري في تحديد مستقبل البلاد والمشاركة في صياغة الحلول السياسية. في هذا الشأن، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أهمية تعاون الجهات الفاعلة الدولية والقوى الإقليمية للحفاظ على سلامة الأراضي السورية.
من الجانب الأمريكي، هناك مخاوف من تحركات تركيا لملء الفراغ السياسي في سوريا بعد سقوط الأسد. فبعض الخبراء الأمريكيين يرون أن تركيا هي "الجارة الوحيدة التي يحتمل أن تستفيد من سقوط الأسد"، مشيرين إلى أن أنقرة قد تسعى لتشكيل النظام الذي سيخلف نظام الأسد في دمشق. وفي هذا السياق، أشار ستيفن كوك، خبير شؤون العلاقات الأمريكية التركية في مجلس العلاقات الخارجية، إلى أن تركيا قد تواجه تحديات في التعامل مع الفصائل المحلية، مثل هيئة تحرير الشام، لتحقيق أهدافها في سوريا.
في الختام، يمكن القول إن تركيا تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تشمل تعزيز الأمن القومي، وتوسيع النفوذ الإقليمي، وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي. تحقيق هذه الأهداف يتطلب من أنقرة التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية، والمشاركة الفعّالة في إعادة بناء سوريا بما يضمن مصالحها الوطنية.