TOP

جريدة المدى > سياسية > أسواق تجارية تصدر "الطالبات" كوسيلة جذب.. عن أساليب التسويقفي الجامعات الأهلية!

أسواق تجارية تصدر "الطالبات" كوسيلة جذب.. عن أساليب التسويقفي الجامعات الأهلية!

نشر في: 24 ديسمبر, 2024: 12:07 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

عند تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر إعلانات ترويجية لجامعات وكليات أهلية تعتمد بشكل لافت على تصدير صور لفتيات، وكأن تلك المؤسسات لا تضم سوى الطالبات. تتجاوز هذه الإعلانات مجرد تقديم المعلومة، لتتحول إلى عملية تسليع واضحة، حيث يتم عرض الطالبات بأسلوب يستهدف جذب الانتباه لا لمستوى التعليم أو المناهج المقدمة، بل لمظهرهن.
ما يزيد من إثارة الجدل هو اعتماد بعض المنصات التابعة للجامعات على تقديم محتوى يقيّم "ستايل" الطالبات، في محاولة لجذب المزيد من المتابعين والطلاب المحتملين. هذا الأسلوب التسويقي، الذي يبدو منفصلًا عن رسالة التعليم، يعكس انحدارًا واضحًا في القيم التربوية، حيث يتم تقديم الجامعة كواجهة تجارية تسعى لجذب "زبائن" بدلًا من تقديم نفسها كصرح أكاديمي محترم. تروي فاطمة، الطالبة المتفوقة التي حصلت على المرتبة الأولى عند التخرج، قصتها لمراسل (المدى) بحسرة. إنجازها الأكاديمي الذي حققته بعد سنوات من الاجتهاد والمثابرة كان يُفترض أن يكون جواز مرورها نحو تحقيق حلمها في التعيين كأستاذة جامعية. وفقًا للمعايير المعلنة، فإن التفوق الأكاديمي والتميز بين الأوائل هو الشرط الأساسي للنظر في طلبات التعيين في الجامعة الاهلية التي كانت تدرس فيها.
لكن فاطمة وجدت نفسها تصطدم بجدار من التحيز والتمييز، حيث قوبل طلبها بالرفض. لم يكن السبب ضعفًا في كفاءتها أو قصورًا في تحصيلها العلمي، بل انصب التقييم على مظهرها الخارجي. قيل لها بوضوح صادم إن الأولوية تُمنح لمن يتمتعون بـ"معايير جمالية" محددة، وكأن المظهر أصبح معيارًا أكاديميًا يتفوق على القدرة العلمية.
هذا القرار القاسي كان له أثر مدمر على نفسيتها، حيث شعرت أن سنوات اجتهادها ذهبت هباءً أمام معايير سطحية لا تمت إلى التعليم بصلة. دخلت فاطمة في حالة من الصدمة النفسية الحادة، تبعتها نوبات من الاكتئاب العميق وانعدام الثقة بالنفس. أصبحت تشكك في قيمة ما أنجزته، وفي عدالة النظام الذي سمح لمثل هذه القرارات أن تطغى على جوهر التعليم وقيمه.

التسويق بهدف الربح!
يشهد قطاع التعليم الجامعي الأهلي في العراق تراجعًا ملحوظًا في معاييره الأكاديمية والأخلاقية، وفقًا لما قاله المحلل السياسي علي البيدر. الذي أشار إلى أن حالة الفوضى التي عصفت بالمشهد السياسي في العراق انعكست على مختلف القطاعات، بما فيها قطاع التعليم العالي.
يذكر البيدر لـ(المدى)، أن "العديد من الجامعات الأهلية أصبحت تعتمد على استراتيجيات تسويقية وتجارية أكثر من تركيزها على تحقيق معايير أكاديمية رصينة. وقال: "لم نعد نتحدث عن معيارية علمية، بل أصبحنا نشهد خيارات مؤسفة تجعل من الواقع الجامعي الأهلي هدفًا تجاريًا بحتًا"، هذه الظاهرة، بحسب البيدر، تتعارض مع القيم المجتمعية والأخلاقية وتلقي بعبء إضافي على المنظومة التعليمية بدلاً من تطويرها. وأشار البيدر إلى أن الترويج المفرط وغير الستراتيجي لبعض الجامعات يبرز غياب العمق والجدية في بناء نظام تعليمي أهلي متماسك. وأضاف: "دخول ما يسمى بالترويج التجاري على خط التعليم يعكس افتقار الكثير من الجامعات إلى رؤية ستراتيجية تسهم في صناعة واقع تعليمي محترم".
ورغم هذه الانتقادات، أشار البيدر إلى وجود جامعات أهلية محترمة تلتزم بالمعايير الأكاديمية وتسعى للترويج لأنشطتها بطريقة حضارية تعكس صورتها الحقيقية. وشدد على أهمية هذه المؤسسات كنموذج يحتذى به لتحسين سمعة التعليم الأهلي في العراق.
ودعا البيدر إلى إعادة النظر في السياسات والإجراءات التي تتبعها العديد من الجامعات الأهلية، مطالبًا الجهات المعنية بوضع معايير صارمة لضمان جودة التعليم ومواءمته مع احتياجات المجتمع وسوق العمل. وأكد أن إصلاح قطاع التعليم الأهلي يعد خطوة ضرورية للنهوض بالواقع التعليمي في العراق وتحقيق التوازن بين الطموحات الأكاديمية والقيم المجتمعية.
"أدوات لجذب المال"، بهذه العبارة وصفت الباحثة الأكاديمية ملاك مؤيد الأساليب التي باتت تتبعها بعض مؤسسات التعليم الأهلي في العراق مؤخرًا. فمنذ عام 2003، ومع تصاعد الضغط على المؤسسات التعليمية الحكومية، شهد التعليم الأهلي انتشارًا واسعًا جعل منه ظاهرة لافتة، حيث بات يشكل جزءًا أساسيًا من النظام التعليمي في البلاد.
تشير ملاك مؤيد إلى أن التعليم الأهلي بدأ ينشط نتيجة الاكتظاظ الكبير في المؤسسات الحكومية، والتي عانت من ضعف في تقديم المناهج العلمية والتربوية بالكفاءة المطلوبة لتحقيق الأهداف المعلنة من قبل وزارتي التربية والتعليم العالي. ورغم أن التعليم الأهلي كان من المفترض أن يكون مساندًا وداعمًا للتعليم الحكومي، إلا أنه، بحسب الباحثة، تحول في كثير من جوانبه إلى إهانة حقيقية للتعليم كرسالة سامية.
تُرجع الباحثة أسباب هذا الازدهار إلى ظروف اقتصادية واجتماعية معقدة، بالإضافة إلى العائد الاقتصادي المغري للمستثمرين. فقد حصلت المئات من المدارس والجامعات على تراخيص رسمية، مما أتاح لها التحول إلى قطاع مربح. ورغم أن التعليم الأهلي يقدم بعض المزايا، مثل جودة الوسائل التعليمية والاهتمام الفردي بالطلبة، إلا أن المشكلات التي تواجهه تُلقي بظلالها على النظام التعليمي بأكمله.
تتميز المدارس الأهلية برقابة مستمرة ومحاسبة صارمة للمعلمين، الذين يجدون أنفسهم تحت ضغط دائم لتقديم أفضل أداء. ورغم هذا، تُظهر بعض الإشكاليات أن الإدارات الأهلية تركز غالبًا على معدلات النجاح والرسوب فقط في المراحل النهائية، مما يثير تساؤلات حول التزام هذه المؤسسات بالمعايير التربوية الحقيقية.
على الجانب الآخر، تعاني المؤسسات التعليمية الحكومية من ضعف في المتابعة الجادة. فبدلاً من التركيز على تحسين الأداء التربوي، ينشغل المشرفون التربويون بأعمال روتينية مثل إعداد الخطط والتقارير، ما يجعل المقارنة مع التعليم الأهلي غير متكافئة.
توضح الباحثة أن عملية منح التراخيص للمؤسسات التعليمية الأهلية تعتمد في الغالب على أسس مادية، مثل تجهيزات المباني، دون مراجعة دقيقة للمناهج أو التخصصات المقدمة. ويحذر الخبراء من خطورة هذه الظاهرة، التي قد تؤدي إلى تسليع التعليم وتحويله إلى مشروع تجاري بحت، بعيدًا عن رسالته النبيلة.
وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في جذب الشباب إلى الجامعات الأهلية. ووفقًا لملاك، فإن الأجيال الحالية تتأثر بشكل كبير بما يُعرض على الهواتف الذكية، وهو ما يدفع الجامعات الأهلية إلى استخدام أساليب تسويقية تستغل هذا التأثير.
من أكثر الجوانب المثيرة للقلق، بحسب ملاك، هو الانحدار الأخلاقي في بعض أساليب الترويج. فقد وصفت الطريقة التي يتم بها تقديم صورة الفتيات بأنها غير أخلاقية وتمثل انحدارًا في القيم التربوية. وترى أن هذه الظاهرة تشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ التعليم القائمة على الاحترام والمساواة، وتحذر من أن هذه الممارسات قد تشوه صورة التعليم العالي وتضر بمصداقيته.
أمام هذه التحديات، تدعو الباحثة إلى مراجعة شاملة لإطار عمل المؤسسات الأهلية، لضمان التزامها بالمعايير الأكاديمية والأخلاقية. وتشدد على ضرورة إعادة صياغة رسالة التعليم ليبقى بعيدًا عن الحسابات المادية البحتة، مع تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، خاصة في التخصصات الحساسة التي تمس حياة الناس بشكل مباشر، مثل الطب والقانون.
في حديثها لـ(المدى)، رسمت الناشطة في مجال التعليم اروين علي صورة قاتمة للوضع الراهن للتعليم العالي، حيث تحولت الجامعات الأهلية، التي كان يُفترض أن تكون مكملًا للتعليم الحكومي، إلى ساحات تجارية تفوح منها رائحة المصالح الشخصية.
بكلماتٍ تحمل الكثير من الألم، وصفت علي كيف أصبحت الجامعات الأهلية في العراق أشبه بالأسواق، حيث يُباع العلم ويُشترى بعيدًا عن رسالته السامية. تقول علي: "كان من المفترض أن تكون الجامعات الأهلية خيارًا إضافيًا لتحسين مخرجات التعليم، لكنها اليوم باتت مسرحًا للصفقات التجارية تحت عباءة التعليم".
وأشارت إلى أن هذه الجامعات لا تهتم كثيرًا بالمستوى الأكاديمي، بل تركز على الربح. ففي ظل دعم سياسي واضح، تتحصل هذه الجامعات على أموال طائلة، لكنها نادرًا ما تُترجم إلى تحسين في جودة التعليم أو تطوير الكفاءات العلمية.
تُظهر ملامح الواقع، كما تصفها علي، تدهورًا مقلقًا في مستوى التعليم الحكومي نتيجة التأثير المباشر للجامعات الأهلية. "في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الجامعات الأهلية حافزًا للجامعات الحكومية لتقديم الأفضل، نجد أنها استأثرت بالطلاب، تاركة الجامعات الحكومية تصارع من أجل البقاء"، تقول علي.
ولعل المشكلة الأكبر تكمن في التهاون الأكاديمي. تضيف علي بنبرة حادة: "لم يعد التقييم في الجامعات الأهلية قائمًا على الكفاءة العلمية، بل تحول إلى مقايضة. يمكن لأي طالب أن يشتري شهادة بمجرد دفع المال، حتى وإن كان بعيدًا كل البعد عن الاستحقاق العلمي".
تصف علي الطريقة التي تعمل بها بعض الجامعات الأهلية بأنها "إهانة حقيقية" للتعليم. وتشير إلى أن الغياب التام للرقابة الأكاديمية سمح لهذه المؤسسات بأن تصبح مشاريع تجارية تبيع الأحلام دون أن تقدم واقعًا يلبي الطموحات.
وتحذر علي من أن هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على مخرجات التعليم، بل تنعكس سلبًا على القيم الأخلاقية للمجتمع. "حين يتحول التعليم إلى وسيلة للفساد والرشوة، نفقد ما تبقى من احترامنا لفكرة العلم كوسيلة لتغيير الواقع"، أضافت.
لم تخلُ كلمات علي من الأمل، لكنها مشروطة بإصلاح جذري يعيد ترتيب الأولويات. وأوضحت أن الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا السياق، حيث أهملت القطاع التعليمي وسمحت بتحوله إلى مجال للمتاجرة.
تقول: "بينما يرسل كثيرون أطفالهم إلى مدارس أهلية بحثًا عن جودة التعليم، يكتشفون لاحقًا أنها تقدم خدمات جيدة على السطح، لكنها في العمق لا تضيف كثيرًا للمستقبل التعليمي".
دعت علي إلى ضرورة وضع التعليم كأولوية قصوى في الخطط الحكومية. وأكدت على أهمية وجود رقابة صارمة على الجامعات الأهلية لضمان التزامها بمعايير الجودة الأكاديمية، مشددة على أن العراق لا يمكن أن ينهض إلا بتعليم يُبنى على أساس الكفاءة والمساواة.
"التعليم ليس تجارة، بل هو رسالة تُبنى عليها حضارات"، قالت اروين علي، مُذكرة بأن إصلاح التعليم ليس خيارًا، بل ضرورة إذا أراد العراق أن يستعيد مكانته بين الأمم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

زعامات
سياسية

زعامات "الإطار" صامتة بشأن "حل الحشد".. وقصص مفبركة حول المرجعية

بغداد/ تميم الحسن صعدت الفصائل خطابها ضد المعلومات المتداولة بشأن "حل الحشد الشعبي"، بينما أعلنت تلك الجماعات عن وقف العمليات العسكرية.بالمقابل، يستمر غموض موقف "زعماء الإطار التنسيقي" إزاء تلك الأنباء، حيث لم يصدر أي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram