لم تشارك (أم احمد) في الندوة التي أقامها عدد من المنظمات النسوية في محافظة النجف لمناقشة العنف ضد المرأة، ليس لأن أم احمد لا تؤمن بدور هذه المنظمات، فهي تقول إنها لم تسمع بها أصلا، ولا لأنها نجت من العنف الأسري، فأم أحمد، وهي أم لخمسة أطفال، فقدت عينها اليمنى وتشوه جزء من وجهها بسبب ضرب زوجها لها بصورة متواصلة، ولم ينجها من قبضته سوى الطلاق، الذي كان هروبا "من المقلاة إلى النار" بالنسبة لها، وهي مضطرة الآن إلى التسول لسد رمق أطفالها، ولا تمتلك الوقت لحضور المؤتمرات التي تناقش قضيتها.
لكن (أم احمد) أخرى حضرت إلى المؤتمر تقول في حديث إلى (المدى برس) "تزوجت من ابن عمي ولي منه ولد، وهو يضربني باستمرار بدون مبرر، وكان يستعمل معي شتى أنواع الضرب وكنت أخشى أن أتقدم بشكوى ضده، ولم أجد مساندا لي لا من عائلتي أو المجتمع أو حتى القانون، ولم يخلصني منه سوى الطلاق".
رجال الدين: لسنا مسؤولين عن أعراف المجتمع
الطلاق ليس حلا تفضله الكثيرات حتى وإن تعرضن "للتعذيب" على أيدي أزواجهن. ففي محافظة مثل النجف، وحتى في باقي مدن العراق، تعد المرأة المطلقة عنصرا غير مرغوب فيه من قبل المجتمع، بل أن عددا من العائلات تعتبر الطلاق "عارا" عليها، وتجبر بناتها على الصبر وتحمل أهواء الزوج، بالترغيب "بالأجر والثواب" تارة، وبالترهيب من فقدان الأطفال والمعيل تارة أخرى.
وبينما لا ينصح رجال الدين بالطلاق، فإنهم يؤكدون أن الأوساط الدينية تثقف المجتمع بحسن التعامل مع المرأة عبر الخطب والمجالس الدينية"، لكنهم يعترفون أن تعنيف المرأة "سلوك اجتماعي لا يمت للدين بصلة وبالتالي لا يمكن للمؤسسة الدينية القضاء على هذا السلوك"، كما يقول رجل الدين سعد الفياض الذي يعد أحد رجال الدين البارزين في النجف.
التقاليد والأعراف أقوى من القوانين
وتشير عضو مجلس النواب العراقي النائبة بتول فاروق التي حضرت الندوة إلى "أن هناك لجنة في مجلس النواب خاصة بالمرأة وبشؤونها وهي لجنة فاعلة وهي بصدد تشريع الكثير من القوانين تصب في مصلحة المرأة وتسهم في تغيير واقعها المتردي".
لكن بتول تعترف بأن هذه "القوانين مازالت في طور القراءة الأولى والثانية وأن الدستور العراقي أنصف المرأة في عدد من القوانين لكنها بحاجة إلى التطبيق ،ولعل الأعراف والتقاليد الاجتماعية تحول دون تطبيق تلك القوانين". بينما ترى الناشطة النسوية المغتربة كوكب البغدادي أن "الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة لا يقع على عاتق المجتمع أو الجانب الحكومي فقط وإنما يجب أن تتحمل المرأة نفسها المسؤولية في ذلك من خلال معرفة حقوقها وكيفية المحافظة والحصول عليها". وتضيف البغدادي "سأنقل ماتعلمته من طرق مكافحة العنف الأسري في نيوزيلندا إلى العراق، وسأنجح" لكن هذه قد تكون تصريحات متفائلة، فنساء نيوزلندا متعلمات بشكل اكبر من النساء العراقيات، ويتمتعن بحماية المجتمع والقانون، وهو ما قد يفتقده عدد من النساء اللواتي حضرن المؤتمر وهن يغطين وجوههن بالعباءة، خوفا ربما من ردود الفعل العائلية العنيفة، أو مصير مماثل لمصير أم احمد. يُذكر أن وزيرة الدولة لشؤون المرأة أعلنت، في 14 شباط 2012 ،عن اتخاذ العراق تدابير مميزة في مجال النهوض بالمرأة وحمايتها من العنف وتعزيز مشاركتها السياسية وتقديم الرعاية الصحية الجيدة وتبني سياسة تقليل الفجوات بين الجنسين. وأشارت إلى أن العراق اتخذ تدابير للنهوض بالمرأة ومناهضة العنف الموجه ضدها ، لكنّ أياً من هذه التدابير عن مناهضة العنف ضد المرأة لم يطبق على أرض الواقع لحد الآن، ولا توجد نسب دقيقة للنساء المعنفات كون أغلبهن يمتنعن عن إبلاغ الجهات المختصة فضلاً عن مساهمة العادات والتقاليد في منع النسوة من الإبلاغ عن أزواجهن أو الأهل الذين يمارسون العنف ضد النساء.