TOP

جريدة المدى > محليات > كيف تصبح البيئة خصماً.. أثر التغيرات المناخية على صحة الأمهات

كيف تصبح البيئة خصماً.. أثر التغيرات المناخية على صحة الأمهات

نشر في: 26 ديسمبر, 2024: 12:03 ص

 جنان السراي

تحت شمسٍ ملتهبة، وفي قريةٍ صغيرة على أطراف الجنوب العراقي، كانت "أم علي" تجلس أمام كوخها المصنوع من الطين، تمسح عرقها المتصبب وهي تراقب أطفالها يلعبون حولها بأقدام حافية. كانت حاملاً في شهرها السابع، لكن الحمل هذه المرة لم يكن كالسابق. الحرارة الشديدة تترك جسدها مرهقًا، والماء الذي تحمله من النهر القريب لم يعد نقيًا كما كان. في كل رشفة تشعر بقلقٍ ينهش قلبها: هل سيكون هذا الماء آمنًا لطفلها الذي لم يولد بعد؟

لكن الليل حمل خبرًا موجعًا. حين هبت الرياح المحملة بالغبار إلى داخل الكوخ، شعرت بألمٍ مفاجئ يعصف بجسدها المنهك. لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى كانت جارتها تواسيها بصمت، وهي تنظر إلى الأرض التي فقدت فيها طفلها. لم يعد هناك صوت لنبض الحياة الذي كانت تنتظره. جلست "أم علي" وحدها في ظلام الليل، تتساءل بمرارة: كيف يمكن للأرض التي احتضنتها يومًا أن تكون قاسيةً إلى هذا الحد؟
في ظل التحديات البيئية المتفاقمة التي يشهدها العراق، أصبحت صحة النساء الحوامل والأطفال عرضة لمخاطر غير مسبوقة. التغيرات المناخية التي تشمل ارتفاع درجات الحرارة، تلوث الهواء والمياه، وشح الموارد الغذائية، تشكل تهديداً مباشراً على الصحة الإنجابية في البلاد. يثير هذا الواقع تساؤلات حول مدى تأثير هذه العوامل على الأمهات والأطفال، والسبل المتاحة لتخفيف هذه الآثار.
في حديث مع أخصائية النساء والتوليد وعد الطائي قالت: "التغيرات البيئية لم تعد مسألة مستقبلية إنها واقع نعيشه الآن. ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في زيادة حالات الولادة المبكرة بين النساء الحوامل، خاصة في الأشهر الأخيرة من الحمل".
وتضيف "الحر الشديد يؤدي إلى إجهاد حراري، وهو ما يزيد من خطر الإجهاض. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، يمكن أن نرى أرقاماً متزايدة من هذه الحالات”.
وتتابع حديثها مؤكدة: "التلوث البيئي يزيد من خطر التشوهات الخلقية بين الأجنة. الملوثات الكيميائية في الهواء والمياه أصبحت متغلغلة في البيئة المحيطة بنا. النساء الحوامل اللواتي يعشن في مناطق صناعية أو قرب مصادر التلوث هن الأكثر عرضة لخطر تشوهات الأجنة”.
كما تشير إلى: "تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، خاصة في ظل العواصف الترابية المتكررة، ما يؤثر على النساء الحوامل بشكل خاص. ونشهد زيادة في حالات الربو والتهابات الجهاز التنفسي بين هذه الفئة، مما يعرض صحة الأم والجنين للخطر".
اختتمت الطائي حديثها مؤكدة على اهمية "تعزيز الرعاية الصحية للنساء الحوامل، خاصة في المناطق الريفية المتضررة"، وأضافت: “يجب أن تكون هناك وحدات طبية متخصصة تقدم الرعاية الضرورية للأمهات المعرضات للمخاطر فمن الضروري أن تتبنى السلطات برامج توعية شاملة لتثقيف النساء الحوامل حول مخاطر التغيرات المناخية والتلوث وكيفية الوقاية منها".

تلوث الهواء وتدهور الأمن الغذائي
من جانبه، يقدم د. جعفر البريقعاوي صورة قاتمة عن الوضع البيئي في العراق وتأثيره المباشر على الصحة الإنجابية. يقول ان "تلوث الهواء بات من أكبر التحديات التي تواجه النساء الحوامل. العواصف الترابية، إلى جانب الأدخنة الصناعية، تزيد من حالات الأمراض التنفسية التي تؤثر سلباً على صحة الأم والجنين".
يضيف البريقعاوي، أن "ارتفاع معدلات الإجهاض نتيجة التلوث الجوي أصبح شائعاً في المناطق الحضرية، حيث يصعب الحصول على هواء نقي. الكثير من النساء يعانين من مضاعفات خلال الحمل بسبب استنشاق ملوثات كيميائية وضارة".
أما عن تأثير الجفاف والتغير المناخي على الأمن الغذائي، يوضح البريقعاوي: "التغيرات المناخية أدت إلى تراجع الزراعة وانخفاض جودة المحاصيل، مما زاد من مخاطر سوء التغذية لدى النساء الحوامل. نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية، مثل الحديد وحمض الفوليك، بات أكثر انتشاراً، مما يؤثر على صحة الأم والجنين ويزيد من خطر الولادة المتعثرة".
ويشدد على أهمية توفير مكملات غذائية للنساء الحوامل في المناطق التي تعاني من نقص الغذاء، لضمان حصولهن على التغذية الكافية للحفاظ على صحة أجنتهن.
تابع حديثه "لا يمكننا الحديث عن صحة إنجابية دون الحديث عن الاستدامة البيئية. يجب أن تكون الحكومة مستعدة لاتخاذ خطوات جادة نحو تحسين الوضع البيئي في العراق”.
بالحديث أكثر عن التغيرات المناخية ذكرت الناشطة البيئية والمدافعة عن حقوق المرأة، نجاة الوائلي ان "النساء في العراق يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على غذاء متوازن، خاصة في المناطق الريفية الفقر والبطالة في تلك المناطق يزيدان من هذه الصعوبات، ما يضع النساء في مواقف صحية حرجة”، وتتابع: "هذا النقص في الموارد الغذائية يتسبب في تدهور صحة الأمهات والأطفال، حيث يتعرض الجنين لمخاطر مثل سوء النمو والتشوهات الخلقية. لا يمكننا الحديث عن صحة إنجابية دون الحديث عن الأمن الغذائي، فهو أساس الصحة الجيدة للأم والجنين”.
وتحدثت الوائلي عن دور المجتمع المدني، قائلة “يجب على المنظمات المدنية والمجتمعية أن تتعاون مع الحكومة لتقديم حلول عملية ودعم المجتمعات المحلية في مواجهة هذه التحديات. المجتمع المدني له دور كبير في رفع الوعي وتقديم المساعدة للفئات الأكثر ضعفاً".
يشير الناشط البيئي باهر الحجامي إلى التهديد الخطير الذي يمثله تلوث المياه على صحة النساء الحوامل في العراق. يقول "المياه الملوثة تمثل خطراً كبيراً على صحة الحوامل. شرب المياه الملوثة يؤدي إلى التهابات الجهاز الهضمي والتي قد تتسبب في الإجهاض أو ولادة أطفال يعانون من أمراض خلقية".
يضيف "النساء الحوامل اللواتي يعشن في المناطق الريفية، حيث يصعب الحصول على مياه شرب نظيفة، هن الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة عبر المياه نقص البنية التحتية وعدم وجود محطات معالجة حديثة يزيدان من تفاقم المشكلة".
ويتابع الحجامي "نحتاج إلى تحسين إدارة الموارد المائية في العراق بشكل عاجل. الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إذا كنا نريد الحفاظ على صحة الأمهات والأطفال".
كما يشير إلى ضرورة تعزيز التوعية الصحية لدى النساء الحوامل حول كيفية تفادي مخاطر المياه الملوثة والحرص على اتباع إرشادات الصحة العامة.
في هذا السياق، يوضح الحجامي أهمية التعاون الدولي في تحسين البنية التحتية المائية. يقول "لا يمكن للعراق أن يواجه هذه التحديات بمفرده. هناك حاجة ملحة لتعاون دولي لتحسين إدارة المياه وتوفير الحلول المستدامة لمشكلة التلوث المائي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

كيف تصبح البيئة خصماً.. أثر التغيرات المناخية على صحة الأمهات
محليات

كيف تصبح البيئة خصماً.. أثر التغيرات المناخية على صحة الأمهات

 جنان السراي تحت شمسٍ ملتهبة، وفي قريةٍ صغيرة على أطراف الجنوب العراقي، كانت "أم علي" تجلس أمام كوخها المصنوع من الطين، تمسح عرقها المتصبب وهي تراقب أطفالها يلعبون حولها بأقدام حافية. كانت حاملاً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram