علي حسين
يعتقد العديد من مسؤولينا أن بلاد الرافدين التي يحكمونها الآن كانت تعيش في عصور الجاهلية، وقد قيض الله لها رجالا ليعيدوها إلى طريق الصواب، ولهذا ليس مهما توفير التنمية والازدهار والتعليم والصحة للناس، فهذه أشياء زائلة لا يجوز الانشغال بها، فمهمتنا اليوم مهمة مقدسة وهي دحر كل القوى التي تنادي ببناء الدولة المدنية، ألم يتدروش علينا ذات يوم محمود المشهداني ليعلن أنهم جاءوا لدحر المدنيين والعلمانيين ، وأنهم انتصروا عليهم؟
يطل البعض علينا وهو يتحدث عن المظلومية وحق الناس بالأمن والرفاهية، لكنه يتحول في النهاية إلى مقاول يوزع الإكراميات والعطايا والعقود على الأقارب والأصحاب والأحباب.. يكتب ريجيس دوبريه في كتابه "المفكّر في مواجهة القبائل" إن: "الناس تدرك جيدا أنّ الخطاب السياسي الانتهازي يتعكّز على فضيلة النسيان التي يتميز بها البشر"، فالحقيقة أنّ النسيان، غفر للكثير من مسؤولينا، جرائمهم التي صُنّفت في خانة الخطأ غير المقصود.
الولاء الوطني هو الذي جعل الجنرال ديغول يكتب في مقدمة مذكراته هذه العبارة "كلّ الأسماء تتشابه، لكنَّ أفعال الناس هي مَن تميّزهم".
بالأمس تذكّرتُ الدروس التي تعلّمتها من قراءة مذكرات شارل ديغول والتي اطلق عليها " مذكرات الامل" حيث نجده يصرّ بعد تحرير باريس، على أن يكون أول عمل تقوم به الحكومة إعادة بناء دار الأوبرا التي هدمتها قذائف النازيين، وحين يحتجّ أعضاء الحكومة على هذا "البطر" يقول لهم: "علينا أن نشيع الطمأنينة في النفوس، وأن تُدرك الناس أنَّ صفحة الحرب طويت إلى الأبد"، ماذا نتعلّم من دروس التاريخ؟ يبدو أننا نحتاج إلى الكثير وإلّا ما كنا انشغلنا بسؤال عبثي ومضحك مَنْ عينة: إذا تشكلت قوة جوية ثانية.. فلأي جهة سينتمي فريق القوة الجوية لكرة القدم؟.
يريد لنا البعض اليوم أن نظل غارقين في القضايا المصيرية، التي تهم بلدان اخرى ، والسعي إلى استنساخ تجربة جزر القمر في التنمية ، لا وجود لقضايا تهم الناس،. لا يمكن أن نغفل دورنا الحيوي والمؤثر في مسيرة الشعوب، ولا يليق بالعراق أن يهتم بشؤون مواطنيه ويترك ما يجري في العالم .
ياسادة، مبروك عليكم أن لا أحد يستطيع إصدار أمر بالسماح للمواطن العراقي بأن يبدي رأيه في القضايا المصيرية، ومبروك لكم أنكم حافظتم على مكانة العراق في سلم الفساد المالي والإداري وغياب الخدمات وفوضى الفشل .. لأن العراق من دونكم لا مكان له على خارطة الدول السعيدة.
أيها السادة: إلى متى سنظل نستمع الى سياسيين وخطباء يعتقدون ان العراق بلد على الهامش وان تاريخه مصطنع كما افتى الشيخ مصطفى الانصاري الذي يطالبنا كل يوم ان نلغي من قاموسنا كلمة " وطن " ؟.