يوم قارب عمرها من الثلاثين عاما ، غادرت العراق مع خطيبها زميل دراستها في كلية الإدارة والاقتصاد ، لتستقر في دولة أوروبية مع مئات الألوف من مواطنيها الهاربين من الجحيم العراقي ، وهناك واصلت دراستها ، وحصلت على شهادة عليا ، وأنجبت أبناء حملوا جنسية أجنبية ، رفضوا زيارة وطنهم الأصلي بعدما تعرفوا على أسباب هجرة أبويهما ، والملاحقة التي تعرضت لها الأم انتصار زعلان بسبب اسمها .
في زمن الانتصارات التاريخية ، وادعاءات إحباط مخططات الأعداء ، كان ذكر اسم بنت زعلان يثير سخط الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية السلطة ، وفي كليتها عندما تنظم الاحتفالات كان الطلبة يلحون بالسؤال عن" انتصار زعلان" وهذا الإلحاح جعل منظمة الحزب في الكلية تفسره بأنه نوع من السخرية ، والاستهانة بمنجز تاريخي كبير وعظيم ، فطلب مسؤول المنظمة من الطالبة انتصار وقتذاك تقديم معاملة إلى دائرة الأحوال المدنية لتغيير اسمها ، وتعهد لها بمساعدتها لغرض التخلص من حرج ترديد اسمها في زمن تحقيق الانتصالات ، فوافقت على الفكرة ، لاعتقادها بأن الأمر سينقذها من تبعات مشكلة أثارت قلق الحزب الحاكم .
الحزب الحاكم بعد أن ترك ملف الانتصارات وانشغل بصخام الوجه إثر غزو النظام السابق الكويت ، وخضوع العراق لسلسلة عقوبات صادرة من مجلس الأمن مازالت قائمة حتى هذا اليوم ممثلة بالفصل السابع ، تركت انتصار معاملة تغيير الاسم ، واتجهت مساعيها للخروج من وطنها مع خطيبها وبعد رحلة طويلة كلفتها مبالغ طائلة ، وصلت إلى مستقرها ، ولم تمنعها العوامل الجغرافية من التواصل مع معارفها وذويها في الداخل ، وكانت رسائلها المكتوبة إليهم قبل أن يعرف العراق شبكة الانترنيت تصل عن طريق أشخاص ، تتضمن الدعوة إلى الإيمان بالمستقبل المشرق ، وانتظار إقامة نظام ديمقراطي تعددي يحقق للعراقيين الخلاص من نظام شمولي كان يفسر اسمها تهديدا لأمنه .
انتصار كغيرها من العراقيين في المنافي ، كانت تعتقد بان يوم التاسع من نيسان في العام 2003 بداية مرحلة جديدة ، فقررت العودة إلى الوطن والتخلص من هموم الغربة ومعاناتها لكنها واجهت مشكلة رفض الأبناء ، فعادت وحيدة للقاء الأهل والأقارب ، وقبل أن تنتهي أيام إجازتها اضطرت للرجوع ، يحدوها الأمل في أن تخدم وطنها من مكان إقامتها ، وهذا الخيار قوبل بدعم وارتياح الزوج والأبناء .
أول نشاط مارسته السيدة انتصار زعلان بعد عودتها من وطنها الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الدولية لتقديم المساعدات المالية والمعنوية لضحايا الحروب ، فضلا عن المشاركة في إعداد برامج للحفاظ على البيئة والتخلص من الألغام ، والأهم في تلك النشاطات أنها حثت الشركات الأجنبية على تنفيذ مشاريع إنمائية في العراق ، الحلم كان كبيرا جدا ، ولم تستطع سفارة بلدها في مكان إقامتها أن تقدم لها المساعدة لخدمة وطنها ، فشعرت بالإحباط ، لأن العاملين في السفارة ، لم تلمس لديهم الجدية في تبني مشاريعها ، وأحدهم قال لها بالحرف الواحد إن العراق الجديد ليس بحاجة إلى خدمات انتصار زعلان ، واتهمها بأنها تسعى للحصول على عمولات من شركات أجنبية .