بغداد/ تميم الحسن
في موجة جديدة هي الأعنف ربما، دخل محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق، في صراع مع خصومه السُنّة وجزء من الكُرد.
تصاعدت الخلافات بشكل متزامن بعد عودة الحلبوسي من زيارة مثيرة أجراها زعيم "تقدم" مؤخرًا إلى واشنطن.
ورفع الحلبوسي أكثر من دعوى قضائية ضد خصومه، في وقت عزز فيه علاقته مع "الإطار التنسيقي" وحلفاء التحالف الشيعي.
وكان الحلبوسي قد أنهى للتو جولة صراعات سابقة مع خصومه السُنّة، سبقت اختيار محمود المشهداني رئيسًا للبرلمان.
وبحسب معلومات، فإن "خصومات الحلبوسي" لا تتوقف عند حد، لأنه يحلم بـ"الزعامة"، ولم يعد له صديق أو حليف سُنّي.
في المقابل، يُعتقد أنه قد يجري تحالفًا مع "الإطار" وأطراف كردية تمهيدًا لانتخابات 2025.
هذا اللقب، "الزعيم"، لا يزال يُطلق على الحلبوسي من أنصاره، على الرغم من أنه خرج من رئاسة البرلمان قبل أكثر من سنة بسبب "قضية تزوير".
ويمتلك الحلبوسي أكثر من 50 نائبًا حاليًا، ويسيطر على محافظة الأنبار. كما فاز حزبه "تقدم" بأعلى الأصوات بين القوى السُنّية في انتخابات 2021.
التحالفات والنزاعات
خاض الحلبوسي نزاعات مع "الإطار" بعد الانتخابات، عندما انضم إلى ما عُرف بـ"التحالف الثلاثي"، مع مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، ومسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، قبل أن ينقلب على الأخير.
دافع الصدر أكثر من مرة عن الحلبوسي، آخرها كان بعد سقوط صاروخ قرب منزل الأخير في الكرمة، جنوب الفلوجة، في 2022. واعتبر زعيم التيار آنذاك أن ذلك كان تهديدًا له ولحلفائه.
لا يُعرف بالتحديد، بحسب المعلومات القريبة من القوى السُنّية، طبيعة علاقة الصدر والحلبوسي بعد تفكك "التحالف الثلاثي" الذي أُعلن في 2022، مع اعتزال الصدر في صيف ذلك العام وحتى الآن. لكن علاقة الحلبوسي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني تدهورت سريعًا.
وبحسب أعضاء "تقدم"، فإن شرارة الخلاف بدأت عندما امتنع "الديمقراطي" عن التصويت لصالح شعلان الكريم، مرشح الحلبوسي لرئاسة البرلمان، الذي انسحب بعد ذلك.
لكن قيادات في الحزب الديمقراطي نفت ذلك، وأكدت أن الوضع كان "ملتبسًا" في البرلمان، ولم يكن هناك وضوح حول الجهة التي تمتلك الأغلبية.
زاد توتر العلاقة بين الطرفين عندما هاجم الحلبوسي كردستان بسبب منح الحكومة مدافع إلى الإقليم، وهي صفقة قديمة تعود إلى حكومة حيدر العبادي السابقة.
واعتبر زعيم "تقدم" أن إعطاء السلاح للإقليم قد يُستخدم في الخلافات في كركوك والموصل، وهما من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
في المقابل، نفت الحكومة أي تداعيات لقرار إرسال المدافع، معتبرةً ذلك جزءًا من تسليح "البيشمركة".
صفقات وتحالفات مفاجئة
كان هذا الخلاف قبل شهر تقريبًا من تشكيل حكومة كركوك في آب الماضي، التي أظهرت تحالفًا غير متوقع بين الحلبوسي وزعيم العصائب قيس الخزعلي، ورئيس حركة بابليون المسيحية ريان الكلداني.
صفقة عُرفت بـ"صفقة فندق الرشيد" لأنها تم الاتفاق عليها في الفندق المعروف في بغداد. وقد طعنت أطراف كردية وتركمانية بالحكومة المحلية الناتجة عن الاتفاق، حيث رُدت بعض الدعاوى ولا تزال أخرى منظورة في القضاء.
التف الحلبوسي في صفقة "فندق الرشيد" على نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، الذي كان يهيئ صفقة أخرى مع خميس الخنجر، زعيم تحالف "سيادة"، والتي اعتُبرت حينها لحظة طلاق بين الأخير والحلبوسي.
كان زعيم "تقدم" قد دخل في سجالات مع الخنجر على خلفية إبعاده من البرلمان واختيار بديل له، قبل أن ينتهي ذلك برفع الحلبوسي دعاوى قضائية ضد الأخير.
اعترضت الدعوى المقدمة من الحلبوسي، والتي نُشرت في الإعلام، على "اتهامات خطيرة" وجهتها أطراف سُنية ضد زعيم "تقدم".
وطالب بتحريك الشكوى ضد خميس الخنجر، رئيس تحالف السيادة، وراكان الجبوري، رئيس التحالف العربي في كركوك، وخالد المفرجي، رئيس تحالف السيادة في كركوك.
وأصدر حزب السيادة، في 23 كانون الأول، بيانًا هاجم فيه رئيس حزب "تقدم"، محمد الحلبوسي، بسبب تحالفه مع الاتحاد الوطني الكردستاني، متهمًا إياه بفرض الوصاية على القضاء وتجاوز رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني.
وفي خطوة سياسية جديدة، أعلن الحلبوسي شراكة في كركوك مع الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يرتبط بأغلب أطراف "الإطار التنسيقي".
عزز الحلبوسي، الذي كان يُعتقد بأنه استثمر بتوقيت خاطئ في الخلافات الشيعية خلال ما عُرف بأزمة "خلية التجسس"، علاقته مع القوى الشيعية بالتقرب من رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني.
وقال كامل الغريري، القيادي في حزب تقدم، إن على القوى السُنية أن "تشكر الحلبوسي" لأنه التقى رئيس الحكومة، مشيرًا إلى أن اللقاء جاء لدعم الاستقرار.
تصعيد الخلافات
تسربت الخلافات بين الحلبوسي والسوداني، على خلفية معلومات عن دعم الأخير للنائب فيصل العيساوي ضد محمود المشهداني، الذي انتُخب لاحقًا رئيسًا للبرلمان نهاية تشرين الثاني بدعم من الحلبوسي.
بحسب بعض التحليلات، يحاول الحلبوسي منافسة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع رئيس الحكومة.
وفي هذا السياق، رفع الحلبوسي دعاوى قضائية ضد هوشيار زيباري، القيادي في الحزب الديمقراطي ووزير الخارجية السابق.
وكشف زيباري، في 23 كانون الأول 2024، عن دعوى قضائية رفعها رئيس حزب "تقدم" ضده بسبب "تغريدة"، مؤكدًا أن تسييس القضاء لن يحدث بعد الآن.
وكان زيباري قد اتهم الحلبوسي بالسعي لإغراق العراق في أزمة وسط التطورات الجارية في المنطقة.
تحليل سياسي
في غضون ذلك، قال زياد العرار، الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، إن الخلافات لم تتوقف بين الحلبوسي والقوى السُنية المعارضة له، والمتمثلة في ما يُعرف بمجموعة "الصقور".
وأشار إلى أن هذه المجموعة لم تتفق مع الحلبوسي، سواء عندما كان محافظًا للأنبار أو حينما أصبح رئيسًا للبرلمان في الدورتين.
وأضاف العرار، في مقابلة مع (المدى)، أن "الحلبوسي يتبع قاعدة: أنا الزعيم، أنا الأغلبية، ولا يقبل أي زعيم ينافسه"، موضحًا أنه يرفض القيادات السُنية القديمة (الحرس القديم: أسامة النجيفي، رافع العيساوي، محمود المشهداني)، حتى لو دعم صعود المشهداني فعليًا.
واعتبر الباحث أن الحلبوسي يتبع الطريقة الأمريكية في معالجة الأزمات، قائلاً: "يتفق مع من يسيطر على الأرض لتسيير الأمور".
وأوضح أن الخلافات تصاعدت بشكل أوضح بعد زيارة الحلبوسي إلى واشنطن، التي أراد من خلالها إيصال رسالة بأنه الزعيم السُني، بحسب وصف العرار.
تزامن التصعيد الأخير مع عودة الحلبوسي من زيارة إلى واشنطن، التي لم تكن "رسمية"، وفق لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان.
لكن حزب "تقدم" أكد أن الزيارة كانت "بتنسيق من الحكومة العراقية"، وتم خلالها بحث قضايا الشراكة واستثمار الطاقة.