السليمانية / سوزان طاهر
تعتبر محافظات إقليم كردستان هي أكثر المحافظات في العراق التي تشهد اهتماما كبيرا بموسم الأعياد والمناسبات، لكن على ما يبدو أن الأزمة الاقتصادية الخانقة، هي أكبر هذه المرة من إصرار الناس على الاحتفال بعيد رأس السنة.
وتستعد في كل عام مدن إقليم كردستان بوقت مبكر، بنصب أشجار عيد الميلاد وتزيين الشوارع والأسواق الشعبية، والمراكز التجارية، للاحتفاء بقدوم العام الجديد.
لكن، الأزمة الاقتصادية، وعدم صرف رواتب الموظفين، يبدو أن تأثيرها فاق هذه المرة أحلام المواطنين وأمنياتهم بالاحتفال بالعيد الجديد.
وتحدث عدد من الناشطين لـ(المدى) عن أسباب غياب مظاهر الاحتفال بقدوم عام 2025، وإظهار الاهتمام، الذي كان يجري في مدن إقليم كردستان سنوياً.
غياب الفعاليات والنشاطات
كوران عمر يقول إن، المواطن الذي تسلم راتب شهر العاشر، رغم أننا في نهاية شهر الثاني عشر، فهذا لا يمكنه الاحتفال، أو التسوق، أو السفر، لآن كل تلك الفعاليات، تحتاج إلى المال.
وبين في حديثه لـ(المدى) إلى أن "المواطن الكردي يحاول في الوقت الحالي تأمين قوته اليومي، وشراء الحاجات الأساسية من الطعام والشراب، فيما يعتبر الاحتفالات هي حاجة كمالية، لا يقدم عليها، إلا إذا كان مرفهاً".
وأضاف أن "الحكومة ومؤسساتها، وحتى منظمات المجتمع المدني هي الأخرى قصرت هذا العام، بعدم الاحتفاء مبكراً بالعام الجديد، ففي كل عام تقدم المنظمات على نصب أشجار عيد الميلاد، وإظهار الزينة في الشوارع العامة".
لكن، هذا العام، فقد اختفت الاحتفالات من الشوارع، واختصرت على المجمعات السكنية، والمراكز التجارية، والفنادق والمطاعم، وهذه جميعها لا يرتادها المواطن، من ذوي الدخل المحدود.
200 ألف سائح
وبالرغم من انخفاض درجات الحرارة، إلا هيئة السياحة في إقليم كردستان توقعت دخول حوالي 200 ألف سائح إلى مدن إقليم كردستان، لغرض الاحتفال بعيد رأس السنة، في خطوة قد تساهم بإنعاش أسواق الإقليم، التي تشهد ركوداً كبيراً.
ويرى أستاذ الاقتصاد في السليمانية سلام عبد الرحمن إلى أن "الاقتصاد في إقليم كردستان يعتمد على موظفي الدولة الذين يتسلمون الرواتب بالدرجة الأولى، ومن ثم السواح بدرجة أقل.
وأوضح في حديثه لـ(المدى) إلى أن "رواتب الموظفين أصبحت عاجزة أن تحرك السوق، فالموظف الذي يتسلم راتبه كل 60 يوماً، بالتأكيد لن يستطيع شراء كل شيء، وسيخصص جهده، لغرض توفير المستلزمات الأساسية".
بالتالي، نحن أمام انهيار لقطاعات مختلفة، من بينها، المطاعم والكافيهات، وقاعات الاحتفالات، وأيضا محلات الملابس، وأسواق بيع الحلويات والمكسرات، ومحلات الخياطة، والصالونات وغيرها، وأغلب تلك المصالح أصبحت من ركود كبير لم يسبق له الحصول، بسبب الأزمة المالية.
وأشار إلى أن "الأمر الآخر، الذي أدى لغياب مظاهر الاحتفال، هم السواح الذين يأتون إلى مدن الإقليم، وهؤلاء يشكلون رقماً صعباً ينعشون الأسواق، والفنادق والمطاعم، وحركة النقل، وغيرها".
لكن، طبيعة الأجواء الباردة، وأيضاً لا وجود عطلة طويلة في المدارس والجامعات، فإن ذلك يمنع توافد كم كبير من العوائل، لقضاء احتفالات رأس السنة في مدن إقليم كردستان.
مناشدات للحكومة
وناشد عدد من المواطنين، الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان لحل أزمة الرواتب، والاتفاق بشكل نهائي، لإنهاء هذه الأزمة، التي أثرت على جميع مفاصل الحياة في الإقليم.
كاميران علي، وهو معلم إحدى مدارس الإقليم تحدث لـ(المدى) بالقول إلى أنه "لديه 3 أطفال، ومن حقه الاحتفال مع أطفاله، وزوجته في كل مناسبة، عبر شراء الملابس الجديدة، أو السفر إلى مكان، أو الاحتفاء بحضور حفلة لمطرب ما، ولكن كل تلك الفعاليات، لا يستطيع القيام بها في الوقت الحالي، كونه لا يمتلك المال الكافي".
وبين أنه "لو تسلم راتبه بشكل طبيعي ودوري دون تأخير، فيستطيع خلق الرفاهية له، ولعائلته، لكن أن تصرف الحكومة الراتب كل 60 يوماً، فهذا بحد ذاته كارثة، تمنعنا من ممارسة حياتنا بالشكل المعتاد، خاصة ونحن أبناء كردستان تعودنا على الاحتفال في الأعياد والمناسبات".
الأسواق شبه خالية
وتبدو أسواق مدن الإقليم شبه خالية من المتبضعين، الذين كانت تمتلئ بهم قبيل الأعياد والمناسبات، ومنها احتفالية قدوم العام الجديد.
ويؤكد آمانج وهو صاحب محل لبيع الملابس في حديثه لـ "المدى" إلى أن "أصحاب المحلات يعتبرون المناسبات والأعياد، هي فرصة لزيادة نشاطهم التجاري، وبيع أكبر قدر من البضاعة".
لكن، ما حصل العام الحالي، هو أن الركود وصل لأعلى المستويات، مع غياب شبه تام لمظاهر الاحتفال بالعيد الجديد، على عكس الأعوام السابقة، وهذا يعود لأزمة الرواتب، التي شلت مفاصل الحياة في الإقليم.