بغداد/ تميم الحسن
يحاول "الإطار التنسيقي" تصوير مفاجأة ظهور أرفع مسؤول أمني في العراق إلى جانب أبو محمد الجولاني، حاكم سوريا الجديد، على أنه "ضغط أمريكي"، فيما لم تصرح بغداد بذلك.
وأكد محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، احترامه لإرادة السوريين وتطلعه إلى عملية سياسية شاملة، خلال مقابلة تلفزيونية.
وقال السوداني، عقب لقاء حميد الشطري، رئيس جهاز المخابرات، بـ"الجولاني": "أبلغنا الإدارة في سوريا رؤيتنا بشأن الوضع الراهن، ونحن حريصون على التنسيق مع سوريا لضبط الحدود".
وكان السوداني قد نفى قبل وقت قصير تواصل بغداد مع حاكم سوريا الجديد، ووصف ذلك بأنه "كلام إعلام ووسائل تواصل اجتماعي".
وكانت (المدى) قد كشفت قبل أسبوعين عن تواصل بغداد مع من وُصفوا بـ"معتدلين" داخل الفصائل السورية التي سيطرت على الحكم.
وأظهرت صور يوم الخميس الفائت بشكل مفاجئ حميد الشطري، بعد أسبوع من تعيينه مديراً للمخابرات (المنصب كان شاغراً منذ تسلم السوداني السلطة في 2022)، وهو يزور الجولاني.
وقال مستشار رئيس الوزراء، حسين علاوي، إن الشطري في زيارته لسوريا أثار نقاطاً تتعلق بـ"أمن الحدود ومحاربة الإرهاب".
وأكد علاوي في تصريحات صحفية أن الزيارة تطرقت أيضاً إلى "ملف السجون في سوريا التي يتواجد فيها تنظيم داعش".
وتوجد ستة معسكرات في سوريا تضم سجناء داعش وعوائلهم، أبرزها مخيم الهول الذي يضم ستة آلاف أسرة.
متغيرات..
وسبق أن وصف مسؤولون حكوميون في بغداد السلطات الجديدة في سوريا بأنها "جماعات إرهابية".
وبرر ائتلاف المالكي وقيادي آخر في منظمة بدر زيارة الشطري لحكام سوريا الجدد بأنها حدثت بـ"ضغط أمريكي لتبييض صفحة الإرهابي الجولاني"، وفقاً للقيادي في المنظمة محمد البياتي.
بالمقابل، اعتبر نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي زيارة الوفد العراقي إلى سوريا ضمن سياسة السوداني "في إبعاد العراق عن الصراعات"، بحسب تغريدة على "إكس".
وكان المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، قد أكد الخميس أن وفداً عراقياً برئاسة رئيس جهاز المخابرات التقى الإدارة السورية الجديدة في دمشق.
وجاءت هذه التطورات في أعقاب معلومات وتحليلات عن احتمال حدوث تغييرات في العراق على غرار ما جرى في سوريا.
قام السوداني، بعد زيارة الشطري إلى سوريا، بإجراء سلسلة لقاءات مع القوى الشيعية والكردية.
وكان رئيس الحكومة قد سافر إلى الأردن والسعودية واستقبل مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، ودارت النقاشات حول الأوضاع في سوريا.
وتسربت معلومات عن احتمال تراجع بغداد عن قرار سابق بـ"إخراج القوات الأمريكية" خلال العامين المقبلين بسبب التطورات الأخيرة.
كذلك، كشف مستشار حكومي في وقت سابق عن وجود "طلب أمريكي" بـ"حل الحشد"، وهو ما نفاه السوداني بعد ذلك.
ومنذ أكثر من شهر، توقفت الجماعات المسلحة في العراق التي تُسمى بـ"المقاومة" عن إصدار البيانات المتعلقة باستهداف إسرائيل.
وكانت هذه المجاميع قد انخرطت منذ العام الماضي فيما عُرف بـ"وحدة الساحات"، وهي خطة وضعتها طهران لدعم "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزة.
ملفات الزيارة
في غضون ذلك، اعتبر غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أن زيارة الوفد العراقي إلى سوريا "قضية مهمة بسبب وجود مصالح بين البلدين".
فيصل أكد في اتصال مع (المدى) أن هذه المصالح تتعلق بـ"الإرهاب، وجود فصائل عراقية في سوريا، ومعلومات عن معتقلين من هذه الفصائل هناك واحتمال إطلاق سراحهم، إضافة إلى احتمال وجود ضحايا عراقيين يجب استرجاع رفاتهم".
إضافة إلى الأمن المتبادل، وأمن الحدود، وانتشار القوات العراقية، والعلاقات التجارية والاقتصادية والطاقة، وفق ما يقوله غازي.
وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن أمريكا وأوروبا ودولاً عربية داعمة اليوم لاستقرار سوريا، لتكون "قاعدة أساسية للأمن والسلم".
وأضاف: "سوريا اليوم ليست دولة حرب أو مسرحاً لعمليات عسكرية كما كانت تفعل طهران وحزب الله اللبناني في دمشق. الآن كل المنطقة، ومنها العراق، ليست كما كانت قبل 7 أكتوبر؛ هناك متغيرات".
وأوضح فيصل، وهو يدير المركز العراقي للدراسات الستراتيجية، أنه "لا يمكن أن يعود الشرق الأوسط بعد المتغيرات الأخيرة في الخارطة السياسية كما كان قبل 7 أكتوبر. كانت المنطقة تعيش صراعات وأزمات وحروب، واليوم تفككت الفصائل في سوريا وفقد حزب الله اللبناني 80% من قدراته".
وتابع: "الآن نحن أمام خرائط سياسية جديدة وعلاقات اقتصادية وستراتيجية مختلفة، والعراق قلب الشرق الأوسط. لذا، لا بد أن يذهب العراق ليندمج ويتكيف مع الشرق الأوسط المختلف".
أما إيران، بحسب رئيس المركز العراقي، فهي وفقاً للمعادلات الجديدة في حالة انكفاء على الذات لمعالجة مشاكلها الداخلية بعدما أنفقت أموالاً كثيرة على الحرب والتسليح في المنطقة، تُقدر بنحو 800 مليار دولار.
كذلك، اليمن يواجه مصيراً معقداً بالمواجهات بينه وبين إسرائيل، وعمليات القصف المستمرة للقواعد الستراتيجية للحوثيين ستؤدي بالتأكيد إلى رسم خارطة جديدة، تنعكس على أمن واستقرار الخليج وأمن البحر الأحمر، وفق ما يقوله فيصل.
ويلفت رئيس المركز إلى أن "العراق يمكن أن يكون فاعلاً إيجابياً مهماً على صعيد المنطقة والخليج، ويمكن أن يستثمر هذه المتغيرات في الخرائط السياسية لتحقيق المصالح المتبادلة للأمن والتنمية، بعيداً عن الحروب".
واضاف: "نحن أمام شرق أوسط يتطور تدريجياً بعيداً عن النفوذ الإيراني وبعيداً عن ستراتيجية الهلال الشيعي، لأنها لم تعد موجودة في المنطقة".