علي الشرع
من يظن ان قيادات الفصائل المسلحة التي باتت تحكم سوريا فعلياً هم رجال سياسة فقط لبسوا ثوب البرغماتية ونزعوا ثوبهم العقائدي الاصولي فهو على وهم والا لما خافت دولة إسرائيل منهم. وخوف إسرائيل ليس تبرئة لهؤلاء من تهمة انهم ادوات لإسرائيل وامريكا والغرب كي يثق الجميع بها (وإن كان هذا محتملاً) ثم يستخدموهم لخدمة أغراض الدولة العبرية الخائفة من الزوال والمتشبثة بكل الوسائل من اجل البقاء حتى مع علوهم علواً كبيراً بقتلهم الأبرياء وتبجحهم بقوتهم والسعي لأرغام أبناء المنطقة على نزع كل شيء ولبس ثوباً تم تصميمه بأيدي امريكية- اسرائيلية يبان من وراءه كل شيء حتى تضمن البقاء.
وبسبب وجود هذه الفصائل المسلحة الحاكمة في سوريا سيكون اول من يدفع الثمن هم العراقيون او الشيعة بالأخص، وسيقعون في المصيدة الجديدة من خلال خداعهم ودفع ثمن دماء ابنائهم لحماية الدول المجاورة، فهم دائماً الحراس، فقد كانوا من قبل حراس البوابة الشرقية واليوم سيكونون حراس البوابة الشمالية. فقد حرضتهم السعودية ودول الخليج وخدعتهم بقتالهم ايران وصد اطماعها لكونهم حراس البوابة الشرقية، اما اليوم فسوف يدافعون عنهم من جديد ضد زحف القوى الإرهابية التي تريد ان تتمدد لتصلهم، فقد أعلن قسم من هذه الفصائل عن ذلك صراحة ان هدفهم النهائي هو تحرير مكة. وامام وصولهم الى مكة عقبتان هما الأردن والعراق. اما الأردن فهي عقبة مستحكمة، فهم لن يستطيعوا المرور عن طريق الأردن، كما ان الأردن على كل حال من نفس الطيف المذهبي لهذه الفصائل فلن يتحرشوا به. فلم يتبق سوى العراق، فهو من جهة اخصر طريق للوصول الى مكة كما ان في العراق طيفان مذهبيان يحفز هذه الفصائل: احدهما يريدون تحريره من سطوة وسلطة وظلم الشيعة واخر يريدون مقاتلته (الشيعة). وقد لا يسعون الى قتال العراق للمرور الى مكة بل قد يستخدموا المفاوضات حتى لا تنهك قواهم قبل وصولها الى الهدف، ومن جهته قد يضطر العراق الى اختيار طريق المفاوضات لقلة تكلفته فيفتحوا لهم الطريق عبر ممر ضيق قريب من الحدود الاردنية من جهة الانبار للمرور الى السعودية ولكن قد ينضم اليهم من بقايا داعش والقاعدة من اهل الانبار وغيرهم من المحافظات المجاورة او ربما يغيروا وجهتهم ويدخلوا الانبار او يحرفوا مسيرهم باتجاه النجف وكربلاء. وهذا الخوف من هذا السيناريو هي التي دفعت محمد بن سلمان الى ان يستدعي السوادني ليقابله في الصحراء ليتفق معه ربما على التجديد للولاية الثانية بضمانة أمريكية مقابل التعهد بمحاربة هذه الفصائل المسلحة السورية المتعطشة الى دماء ملوك السعودية والا ما هو سبب ذهاب السوداني الى هناك وعلى عجل (مع الاعتراض على طريقة استدعائه واستقباله التي لا تنم عن الاحترام ابداً ولو كان طاغية النظام البائد لرفض هذه الطريقة في الاستقبال التي لم تصغر السوداني فقط بل صغرت العراقيين معه).
ولابد ان يؤول الوضع السوري الى عدم الاستقرار والاقتتال التي ستصل شرره الى العراق رغم قهقهة السوداني مقللاً من أهمية الاحداث التي ستقع. والسبب هو أنه مادام انتصر محور تركيا-قطر على محور السعودية – الامارات في سوريا، فلن تشهد سوريا استقراراً. أنه لم يزر قادة سوريا الجدد سوى ممثلين عن المحور الأول كما ان المهددين للمحور الثاني من الفصائل المسلحة ستدفع محور السعودية – الامارات الى تشجيع احد امرين في سوريا اما الى الاقتتال لأجل اضعاف هذه الفصائل او التقسيم. وفي جميع الأحوال سيكون العراق في وجه العاصفة.
لقد كانت من الأخطاء الجسيمة التي أدت الى انهيار نظام بشار الأسد الدكتاتوري هو أنه مع حلفائه والسعودية والامارات معهم قبلوا ببقاء مناطق خارج نطاق الحكم المركزي في ايدي أناس عقائديين، وكان على النظام السوري بل أي نظام ان يمنع بقاء مثل هكذا جيوب حتى لا تشكل تهديداً مستقبلياً للدولة. لكن بالطبع كان بقاء هذه المناطق خارج السلطة السورية هو جزء من تخطيط امريكي لاسقاط النظام، مع ان النظام كان يستحق السقوط لكن البديل أسوأ مما يكون. وعلى العراق ان يتعلم الدرس ولا يسمح لامريكا ان تتلاعب به بتصريحات مسؤوليها انها ستدافع عن شركائها ضد التهديدات ثم عندما تضطرم النار تتركهم لحالهم ينزفون من جديد ثم يتراجعوا الى الخلف ولا يجدون نصيرا لهم لاسيما بعد ان تم اشغال روسيا بنفسها.
الان سقط النظام السوري وصرنا في مواجهة تهديدات خطيرة من فصائل غادرة متلونة تميل الى إسرائيل كون الشيعة اكثر من اليهود ويجب مقاتلتهم قبل اليهود بل يمكن عقد صلح مع اليهود ولا يمكن الوثوق بالشيعة وعقد أي صلح معهم. وهؤلاء الذين يظنون ان العراق بمنأى عن التهديدات مادام لم يتدخل في الشأن السوري وضبط ايقاعها لصالح العراق هم على خطأ تماماً. والحل ليس من خلال التدخل العسكري فقد تجاوزنا هذا الحل بل من خلال الاقتصاد. فالشعب السوري الفقير يعتمد على صناعته وزراعته من اجل العيش، فاذا تم التعامل بدقة مع هذا الملف سيتم ترويض الحاكم السوري الجديد.
وهذا هو الحل إزاء هذه التحديات المميتة التي تنتظر العراق هو ان يقيم العراق علاقات اقتصادية مشروطة اشبه بالحصار مع سوريا. فيربط التطورات السياسية في سوريا مع الملف الاقتصادي بحيث يستهلك الجانب العقائدي للفصائل المسلحة ويذوب بواسطة ربط انتعاش الاقتصاد السوري مع العراقي كون هؤلاء المسلحون يحتاجون الى الدعم المالي، ولن تقدم لهم تركيا اية أموال، ولن تفعل ذلك قطر خشية من ضغوطات سعودية- إماراتية فيبقى الجانب الاقتصادي رهينة التعامل مع العراق مع بقاء خوف دولة إسرائيل منهم، اما اذا دعموهم ودعمتهم أمريكا نفسها فليستعد العراق للسيناريوهات الأسوأ من الان.