هادي عزيز علي
عندما انعقد الامر على تشريع قانون للاحوال الشخصية فقد وجد المشرع انه في مواجهة كم كبير من الاحكام الفقهية والقواعد الشرعية الموزعة على المذاهب الاسلامية العاملة منها والمندثرة وان الخروج بخلاصة تشريعية من هذا الوضع يتطلب جهدا استثنائيا اولا وعقلا مركبا ثانيا وبغية الوصول للهدف المنشود في هذا النشاط فقداعتمد المشرع مجموعة من المبادىء التشريعية مكنته من انجاز هذا السفر الطموح ليوضع موضع التطبيق ويستمر متألقا مدة تزيد على الستين عاما . هنا نأتي لبيان بعض تلك المبادىء التي تناولتها النصوص القانونية وعلى الوجه الاتي :
اولا – اختيار النص الشرعي من دون التقيد بمذهب معين : الرؤية التشريعية للمشرع اعتمدت على اختيار النصوص الشرعية سواء كانت اراء للفقهاء المسلمين ام كانت قواعد شرعية من دون التقييد بمذهب معين والتعامل معها وتطويعها لكي يخرج كنص قانوني مستوفيا للشروط المطلوبة للتشريعات والصياغة القانونية الحديثة وبعد ان تحول الحكم الشرعي الى نص قانوني بالشروط المطلوبة فيكون قد افضى الى نتائج ايجابية ثلاث : الاولى – صدور النص القانوني على وفق شروطه القانونية ومستشرفا للاحكام الظنية ومن دون التقيد فانه يعد خطابا تشريعيا للعراقيين معنيا في ترسيخ احكام المواطنة ويندرج تحت مفهوم سيادة القانون . والثانية – ان النص المذكور يعد نصا مساهما في البناء المؤسسي للدولة من خلال الوظيفة الاجتماعية للاسرة باعتبارها اساس المجتمع واللبنة الاولى في تشكيل الدولة . الثالثة – ان النص هذا ينزع الى ترسيخ مبدأ المساواة امام القانون اذ ظهرت ملامحه في النصوص الدستورية اللاحقة لصدوره بما في ذلك الدستور الحالي .
ثانيا – ليس كل راي فقهي او قاعدة شرعية تصلح ان تكون نصا قانونيا – عندما اعتمد المشرع مبدأ اختيار النص لكي يكون نصا قانونيا فان هذا لا يعني ان كل النصوص الفقهية او القواعد الشرعية تصلح ان تكون نصا قانونيا وهذا ما افصحت عنه الفقرة (2) من المادة الاولى من القانون التي نصت على : ( اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادىء الشريعة الاسلامية الاكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون ). وهذا يعني ان العديد من الاحكام الفقهية والقواعد الشرعية لا تصلح ان تكون نصا قانونيا لعدم حيازتها على شروط وخصائص القانون ولا تحكمها قواعد تنظيمية واصول منطقية هذا اولا اما ثانيا فهو عدم الملاءمة لنصوص القانون اذ تبقى تلك النصوص محتفظة بانتسابها للاخلاق او الاحكام الظنية المتعلقة بالشان العام وبالمحصلة يتعذر ولوجها في النصوص القانونية وتبقى لها وظيفة غير الوظيفة القانونية .
ثالثا – المرجعية التشريعية – اعتمد قانون الاحوال الشخصية مرجعيات ومصادر عدة لكتابة النص القانوني في قانون الاحوال الشخصية اهمها : 1 – ان المصدر الاول للنصوص التي تضمنها القانون هي الشريعة الاسلامية وهذا ماتضمنته الاسباب الموجبة الملحقة بالقانون فالشريعة الاسلامية مصدر للقانون خلافا لما تطرحه بعض وسائل في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والاعلام المضاد . 2- المصدر الثاني الوارد في الاسباب الموجبة ايضا هو قوانين البلاد الاسلامية التي لها سند في فقه الشريعة الاسلامية او كانت لا تتعارض مع احكامها . 3 – الارث القضائي العراقي بشقيه السني والجعفري وما اصدرت المحاكم الشرعية من احكام قضائية من خلال مسيرتها القضائية المستندة الى المطولات في الفقه الاسلامي .
رابعا – قانون الاحوال الشخصية للعراقيين كافة – يخطأ من يظن ان سريان نطاق قانون الاحوال الشخصية يشمل المسلمين من العراقيين حصرا خلافا لهذا الظن فقد افصحت الاسباب الموجبة الملحقة به على : ( وضعت اللجنة قاعدة – سريان الاحكام على الاشخاص لتشمل احكامه العراقيين كافة وبذلك يكون قانون الاحوال الشخصية هو القانون العام فيما احتواه من مبادىء واحكام – الا ما استثي بنص خاص –) . والاستثناء بنص خاص اذاماحصل يجب ان لا يخرج عن المبادىء والاحكام التي جاء بها قانون الاحوال الشخصية وقد تعززت صفة العموم لهذا القانون من خلال التطبيقات القضائية لمحاكم المواد الشخصية لغير المسلمين في النفقة والحضانة والمواريث وسواها من الاحكام الاخرى التي ينص عليها قانون الاحوال الشخصية .
خامسا – القانون يعد مساهمة في تجديد الفقه الاسلامي – في كتابه " نقد الحاجة الى الاصلاح " يقول المفكر محمد عابد الجابري : ( ان الفكرة الجديدة لا تكون جديدة الا اذا كان ينجم عنها نوعا ما من التغيير .. وان من شروط منازلة القديم منازلة ناجحة خوض المعركة معهم وفي ميدانهم واظهارهم بمظهر المقلد الجامد وبالتالي العاجز عن استيعاب الافاق الرحبة ..) وهذا ما كان عليه قانون الاحوال الشخصية فهو يعد مجددا لاحكام الفقه الاسلامي لانه لم يصغ الراي الفقهي او القاعدة الشرعية بطريقة الاستنساخ المحض بل بتطويعه ليؤدي المهام الموكلة اليه في التغيير ،اي لكي يقوم القانون بالوظيفة الموكلة اليه باعتباره قاعدة للسلوك بما يجب ان يكون وليس لما هو كائن وهنا تضمن النص القانوني القدرة على التجديد الفقهي .