TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العالم بين تبدد الآمال بالعام المنتهي وانتظار التحولات في الجديد

العالم بين تبدد الآمال بالعام المنتهي وانتظار التحولات في الجديد

نشر في: 30 ديسمبر, 2024: 12:03 ص

د. فالح الحمــراني

إذا حاولنا أن نلخص جميع الأحداث والاتجاهات والميول المتنوعة والمتناقضة التي شهدها العام الماضي في عبارة واحدة، يمكننا القول بكل تأكيد أن العالم يتطلع في العام الجديد إلى التغيير، بيد أن القليل من الناس لديهم أي فكرة عما يجب أن تتكون منه هذه التغييرات بالضبط، وما يمكن أن تفضي إليه في نهاية المطاف، ولكن من الواضح أن فكرة الحفاظ على الوضع الراهن في العام المنتهي لا يمكن أن تحظى بتعاطف شعبي واسع.

ولم يكن عام 2024 استثناءً بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التي تمر بمرحلة عدم استقرار غير مسبوقة. فمن ناحية استمر الاتجاه نحو التصعيد، ومن ناحية أخرى، اتخذت العديد من الأحداث المأساوية في المنطقة منحى جديدا. وكانت التغييرات سريعة جدًا لدرجة أن بعضها لم يكن متوقعًا على الإطلاق بالنسبة للمراقبين الأجانب. ويجمع اغلبيه المراقبين على إن ديناميكيات التطورات اللاحقة في المنطقة ستعتمد على آفاق حل النزاع العربي - الإسرائيلي، فضلاً عن التطورات في سوريا. وغني عن القول إن كلتا الحالتين مرتبطتان إلى حد ما. وفي الوقت نفسه، يرى مراقبون أن "محور المقاومة" تكبد العام الماضي بخسائر فادحة. حيث اغتالت إسرائيل في عمليات إجرامية قيادة كل من حزب الله وحماس. على الرغم من أن كلا المنظمتين لم يتم تدميرهما (ولن يتم تدميرهما) بالكامل، إلا أن الضرر كان كبيرًا، وسوف يستغرق الأمر وقتًا لاستعادتهما (القيادة في المقام الأول). وهذا لا يعني أن النزاع - سواء في لبنان أو في غزة - سينتهي بانتصار إسرائيلي، لكن اعتبارا من نهاية عام 2024، يمكن القول إن ميزان القوى في المنطقة قد تغير بشكل كبير، ولكن ليس في صالح إيران.
وقد تجلى نفاد الصبر من أجل التغيير في العالم على وجه الخصوص من خلال نتائج الكثير من الانتخابات التي أجريت على مدى الأشهر الـ 12 الماضية في أجزاء مختلفة من العالم. وإجمالا ذهب أكثر من 1.6 مليار شخص إلى صناديق الاقتراع، وفي الغالبية العظمى من الحالات، فقد مؤيدو الوضع الراهن مواقعهم. ففي الولايات المتحدة، منيَّ الديمقراطيون بفشل ذريع أمام الجمهوريين، وفي إنجلترا، الحق حزب العمال هزيمة منكرة بالمحافظين. وفي فرنسا وقع "حزب السلطة" الذي يتزعمه إيمانويل ماكرون، والذي فقد دعمه السابق، بين المعارضة اليمينية واليسارية، التي أغرقت الجمهورية الخامسة في أزمة سياسية عميقة. واهتزت أسس الوسطية السياسية الراسخة في ألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان. حتى حزب رئيس الوزراء الهندي الشهير ناريندرا مودي لم يتمكن من الحفاظ على الأغلبية البرلمانية بعد الانتخابات، وفي جنوب إفريقيا ، خسرها المؤتمر الوطني الأفريقي لسيريل رامافوزا.
من المحتمل أن يقول المتشائمون إن رفض الوضع الراهن في حد ذاته لا يحل أي مشاكل، وأن التغييرات التي يطول انتظارها، كما أظهرت تجربة العراق إذ لم تحقق تطلعات المجتمع بقيام نظام وطني يعتمد على القانون والعدالة وبناء دولة المواطنة، وكذلك السنوات الأخيرة للاتحاد السوفييتي، لا تتحول بالضرورة إلى تغييرات أحسن. إن استبدال التكنوقراط الحذرين بشعبويين غير مسؤولين، غالبا ما يرتد سلبا على وجه التحديد على أولئك الذين انتقدوا الوضع المنهار المثير للاشمئزاز. وسوف يجادل المتفائلون بأن الهياكل الصدئة تمامًا للأجهزة الحكومية تحتاج في كل مكان إلى تحديث جذري، وسيضيفون حتماً أن الخسائر الناجمة عن الحفاظ على الوضع الحالي بأي ثمن، ستكون أكبر بكثير من تغييره.
إن الأحداث الدولية التي وقعت في عام 2024 تتيح للمرء تقديم تفسيرات مختلفة لها. وبلا ريب سيلاحظ المتشائمون عدم إيجاد في عام 2024 حلول ناجعة لأي من النزاعات المسلحة الكبرى الموروثة من عام 2023. بل على العكس من ذلك، اتجه أكبرها نحو التصعيد. على سبيل المثال، امتدت العملية الإسرائيلية في قطاع غزة، التي انطلقت في خريف 2023، تدريجياً إلى الضفة الغربية، ثم إلى جنوب لبنان، وفي نهاية 2024 إلى الأراضي السورية المتاخمة لمرتفعات الجولان، وقصف اليمن، وتهديد العراق، وإيران وفي أواخر الصيف جرى صعدت التطورات في العملية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا، حيث غزت قوات أوكرانيا أراضي منطقة كورسك الروسية، وفي منتصف تشرين الثاني، منحت الولايات المتحدة كييف الإذن باستخدام صواريخ ATACMS بعيدة المدى ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية. ومن وجهة نظر المتفائلين، أظهر العام الماضي أن النظام الدولي القديم لم ينهار تماما ونال التفكك بعض أركانه. ولم تنشب مواجهة مسلحة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ولم تندلع حرب إقليمية كبرى في الشرق الأوسط، أو في مضيق تايوان، أو في شبه الجزيرة الكورية.
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي في عام 2024 من اعتماد سوى 12 قرارًا في الغالب ذات طبيعة إنسانية مما يشير بوضوح إلى انخفاض فعالية هيئة الإدارة العالمية هذه (للمقارنة، في عام 2000، وافق مجلس الأمن الدولي على 29 قرارًا، بما في ذلك أهم القرارات المتعلقة بحل النزاعات في البلقان وأفريقيا). وفي الوقت نفسه، في عام 2024، استمر البحث المستمر عن أشكال جديدة للتعاون المتعدد الأطراف، بما في ذلك آليات مجموعة البريكس، التي اجتمعت لأول مرة في قمتها السادسة عشرة في قازان في تشكيلة موسعة جديدة.
وظلت النتائج الاقتصادية لعام 2024 غامضة بنفس القدر. فمن ناحية، خضع الاقتصاد العالمي خلال العام تمامًا للجغرافيا السياسية. واستمرت عمليات الفصل التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وتحولت العقوبات الأحادية الجانب نهائيا إلى إحدى الأدوات الرئيسية للسياسة الخارجية للغرب. ومن ناحية أخرى، لم ينزلق العالم إلى ركود اقتصادي عميق، على الرغم من جميع القيود التي جرى فرضها على التجارة والاستثمارات. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بحوالي 3 في المئة لعام 2024، وهي نسبة لا بأس بها في الزمن المضطرب للغاية الذي يمر به العالم، وعلى خلفية عدم التغلب بصورة كاملة على الآثار طويلة الأجل التي نجمت عن وباء كوفيد-19.
وفي مجال تطورات المناخ العالمي الذي بات يشكل خطر حقيقي على مستقبل البشرية والكوكب الأرضي، تدلل المؤشرات على أن عام في عام 2024، شهد تجاوز المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية المستويات التي كانت قبل الثورة الصناعية بأكثر من 1.5 درجة مئوية للمرة الأولى – وبهذا جرى تجاوز خط أحمر آخر مهم للغاية، ولم يحقق مؤتمر الأمم المتحدة القادم لتغير المناخ الذي عقد في باكو في تشرين الثاني الكثير من الأمل التي عقدت عليه. وفي الوقت نفسه، وبحلول نهاية العام، بلغت انبعاث الكربون في الصين حده الأقصى، متجاوزا خمس سنوات كاملة لخطط بكين المعلنة سابقًا في حبس الانبعاثات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: إدفعوا الجزية للشيخ عبد الستار!!

العمود الثامن: ماذا حدث للمستشار؟

العمود الثامن: لايك عميل

قناديل: محافظٌ يخافُ شجرة الميلاد

ماذا يقول السيستاني؟

العمود الثامن: من يغني للمسؤول العراقي؟

 علي حسين مرت في اليومين الماضيين ذكرى ميلاد أم كلثوم التي ما تزال علامة من علامات الزمن الجميل، سيقول البعض يارجل لماذا تصر على تقليب دفاتر الماضي ، ولا تريد ان تنتبه للحاضر...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي -6- لعل الروائي تشارلزديكنزمن اكثر الروائيين الذين عولجت روايتهم للسينما، ومن أشهر رواياته التي اشتهرت عالمياً وتُرجمت لعدة لغات عالمية هي رواية (الآمال العظيمة) وأصبحت محط أنظار السينمائيين ليصنعوا منها أكثر...
علاء المفرجي

قراءة في تطورات التعليم العالي عام 2024 وتطلعات المستقبل

محمد الربيعي* في خضم التحديات التي تواجه وطننا، يظل التعليم العالي منارة الامل وشعلة التغيير. ففي عام 2024، شهد العالم نقلة نوعية في مناهج التعليم واساليب البحث، شكلت منعطفا هاما في مسيرة التعليم العالي،...
د. محمد الربيعي

النَّزاريَّة.. تجربتها أمام "تحرير الشَّام"

رشيد الخيون ربَّما تكون تجربة «النَّزاريَّة، أو ما أصطلح عليها بالحشاشين، مِن بين تجارب الفرق الدينية النَّادرة في تحولها، مِن العنف إلى المدنية والفنون والثَّقافة، تمثلها اليوم «اللأغاخانيَّة»، صاحبة مراكز البحوث، والمكتبات، والاهتمام بالعِمارة،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram