علاء المفرجي

في هذا القصة الصادرة عن دار الساقي، يروي الكاتب ألبرتو مانغويل، مؤلف كتاب "تاريخ القراءة"، الذي اختار روبرت لويس ستيفنسون ليكون بطل الرواية، قصة جريمة قتل مثيرة في جنوب المحيط الهادئ، تذكرنا بقصص جوزيف كونراد وآس بيات.
اعتاد روبرت لويس ستيفنسون على الألوان المكثفة والرطوبة الشديدة في ساموا ــ فضلاً عن الحسية المفرطة لشعبها. ومع ذلك، تعود أفكاره بحنين إلى موطنه إدنبرة بعد لقاء صدفة مع المبشر الاسكتلندي الذي وصل حديثاً، السيد بيكر. ويصبح التناقض الصارخ بين ماضي ستيفنسون المقيد والحسية الخصبة للجزيرة نقطة محورية في وعي ستيفنسون. ولكن كل شيء يتحول إلى فوضى عندما تتعرض امرأة ساموية شابة للاغتصاب والقتل؛ وهي المرأة التي كان ستيفنسون يشتاق إليها في قرارة نفسه. ويظهر السيد بيكر الغامض في مركز التحقيق، حيث يصبح ستيفنسون فجأة مشبوهاً في نظر سكان الجزيرة الذين كانوا معجبين به ذات يوم. في إشارة مرحة إلى حياة ستيفنسون ورواياته الرائعة، نجح مانغويل في نسج حكاية مقنعة بين أشجار النخيل في جنوب المحيط الهادئ.
لقد كتب ألبرتو مانغويل، هذه القصة القصيرة عن كنيسة القديس لورانس في ساموا أيامها. وهذه هي النهاية، حيث لم يكن ستيفنسون مؤهلاً لإرسال رسائل إلى صحيفة التايمز عن الألمان أو أي جنسية أخرى. ويُعرف ستيفنسون باسم توسيتالا، أي "راوي الحكايات"، وهو شخصية حميدة في الجزيرة. فقد دافع عن السكان الأصليين ضد مصالح المستعمرين والمبشرين الأكثر عدوانية،
إن هذه الرواية القصيرة عبارة عن خيال ساحر منسوج حول تلك الأيام الأخيرة. ففيها يروي لنا روبرت لويس ستيفنسون، الذي يعاني من المراحل الأخيرة من مرض السل، قصة مليئة بالحنين إلى الأماكن التي لم يسبق له أن زارها. ثم يظهر على الجزيرة السيد بيكر، وهو مبشر أصبحت خطبه النفسية تشبه الأناجيل أكثر فأكثر، وتشبه أكثر فأكثر رؤيته القاتمة للإبادة الجماعية. ورغم أن ستيفنسون ينفر من خطابه، إلا أنه يسحره لهجة بيكر، فتعيده إلى أدنبرة في شبابه. ولكن بيكر لا يحمل في نفسه سوى الازدراء لتوسيتالا، فيقول للكاتب: "إنك ستكون في وضع أفضل إذا قرأت لهم من الكتاب المقدس. هذه هي الحقيقة الوحيدة".
إن موضوع الثنائي، من كتاب جيمس هوج "اعترافات خاطئ مبرر" إلى عمل ستيفنسون نفسه ـ وبشكل أكثر وضوحاً في "الدكتور جيكل والسيد هايد" فضلاً عن "سيد بالانتراي " ـ هو موضوع متكرر في الروايات الاسكتلندية، ومن الواضح أن مانغويل ينوي أن يذكرنا بهذا. ففي وليمة، يلمح ستيفنسون الخيالي فتاة محلية جميلة وفاتنة، تظهر وتختفي من أمام ناظريه طوال الليل: "قبل سنوات عديدة، في فرنسا، رأى فتاة في نفس عمره تقريباً تستحم خلف ستارة ممزقة في فناء مزرعة، وشعر بهذه الطفرة التي يتذكرها الآن من الرغبة. لقد اعتقد أن القديس أوغسطين كان يشكر الله لأنه لم يجعله مسؤولاً عن أحلامه. فتناول جرعة طويلة من الكافا وتلفظ بنفس صلاة الشكر". وعلى الفور، يصاب ستيفنسون بنوبة سعال، حيث يواصل مرض السل الأبيض تدمير حياته. وفي اليوم التالي، يشعر بالانتعاش إلى حد كبير، فيعود إلى الكتابة بطاقة متجددة. وهكذا نتعرف على أحد الموضوعات الأخرى في قصة مانغويل؛ حياة الكاتب، والفجوة بين تخيل الأفعال والقيام بها. ونلقي نظرة خاطفة على حرفة ستيفنسون: "لقد أشار ذات مرة إلى هنري جيمس أن ما يريد القيام به هو تجويع الحس البصري في كتبه. كان يسمع الناس يتحدثون، ويشعر بهم وهم يتصرفون، وكان هذا بالنسبة له تعريف الخيال. وقد سجل هدفين أدبيين: الأول. الحرب على الصفة. والثاني. الموت للعصب البصري".
ومانغويل، مؤلِّف موسوعيّ ومترجم وروائي أرجنتيني. حاز جوائز عدة وتتصدر كتبه قائمة الاكثر مبيعاً. يشغل منذ عام 2020. من إصداراته:’تاريخ القراءة‘، ’حياة متخيلة‘، ’شخصيات مذهلة من عالم الأدب‘، ’الفضول‘، وفي الرواية: ’كل الناس كاذبون‘، ’عاشق مولع بالتفاصيل‘، ’أخبار من بلاد أجنبية‘.