ثامر الهيمص

القطاع المختلط كما معروف : هو مجموعة الشركات الصناعية المساهمة المؤسسة من قبل المصرف الصناعي وان رأسمال هذه الشركات مشترك بين مؤسسات القطاع الخاص والافراد .
وهذا القطاع ليس جديد في العراق , فبدايته تعود الى منتصف الثلاثينيات , من القرن الماضي ’ عندما تولى المصرف الزراعي تأسيس شركة السمنت العراقية ( المحدودة ) في اطار ترويجه لفكرة الاستثمار ( الحكومي / الاهلي ) المشترك, في مجالات صناعية متطورة ’ بسبب تردد وعجز القطاع (الاهليه) عن الدخول بمثل هذه الاستثمارات ( ذات رأسمال كثيف في حينها ) ،( وبعد ظهور المصرف الصناعي (1946-1947) كمؤسسة مصرفية تستهدف تنمية وتطوير الاستثمار الصناعي . لقد تضاعف رساميل الشركات المختلطة خلال عقد الثمانينات والتسعينات ولغاية 2004 نتيجة رسملة الجزء الاكبر من ارباحها وبلوغ رؤوس اموال الشركات حوالي 63مليار دينار . ونتيجة السلب والنهب بعد 2003 , فقد خسرت شركاته بعد دخول قوات التحالف بغداد . وما صاحب ذلك من نهب وسلب ما يقدر بحوالي 30 مليار دينار ’ ولم يتم تعويض الشركات عن هذه الخسائر لحد الان . لقد كانت مردودات هذه الشركات بشكل عام حوالي ثلاث مرات رأسمالها مما اكسبها سيولة نقدية مكنتها من العيش لحد الان . (المهندس احمد عبد الرافع ياسين / مدير مفوض شركة الصناعات الالكترونية ) ورقة عمل قدمت لندوة حول / الستراتيجية الصناعية في العراق حتى عام 2030 / تحت شعار الصناعة خيارنا لتنويع مصادر الدخل ) . لدينا وحسب الورقة اعلاه لدينا 17 شركة تابعة للقطاع المختلط ’ تتوزع بين الصناعات الخفيفة / الالكترونية والكهربائية والمعدنية والادوية واللقاحات البيطرية والاصباغ والكارتون والالبسة الجاهزة والانشائية والغذائية والغازية والاثاث والهندسية ( دسكات , بنزات , كلج ) . هذه الفرشة التعريفية , تأخذ بايدينا لنتسأل ’ اين نحن مما تطرحه الورقة , الصناعة الستراتيجية ’ بعد هيمنة الفساد متناغما مع الاحداث والتوترات الجيوسياسية الان , ؟؟ .
ونتسائل اكثر اين نحن من هذه التجربة الناجحة( القطاع المختلط ) ونحن نرجح رسو اول باخرة في ميناء الفاو قريبا وبعد الانهاء من التصاميم الاولية للسكك بنسبة 100% فضلا عن اكمال 84% من تصاميم الطريق السريع وباقي ممرالخدمات بعهدة الجهات الصناعية لوضع الرؤية الاستثمارية . ( جريدة الصباح ليوم 7/11/2024) . ولكن تخبرنا الجريدة ذاتها قبل يوم من البشرى السابقة ( ان تأثير الانخفاض في اسعار النفط سيكون مقتصرا على الموازنة الاستثمارية ).
هنا نسأل الله اولا ان يديم علينا بركة الضمانات السيادية , لنغطي الحاجة للاستثمار الاجنبي اولا ’ متمنين ان تمتد بركات الضمانة السيادية لتغطي خسائر القطاع المختلط , مغلقين او نعلي سياجنا الكمركي درئا من شياطين الانس والجن , لحماية ورعاية الوليد / اي المنتج المحلي , حيث لا يمكن ان ينمو ويستعيد مكانته السابقة في بازار او مزاد الفوضى الاستيرادية . لكي نشكر وزارة التجارة والبنك المركزي والصيرفات , بالعودة للمنتج الوطني , ليكون هو المعول علية كونه (اضفرنا الذي يحك جلودنا اولا واخيرا ). كون الاستيراد كان معول هدم للاستثمار والنقد الاجنبي , اضافة لتدمير الشريحتين الزراعية والصناعية
بحسب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي , فأن عدد المصانع المتوفية في العراق بلغ 35 الف مصنع من اصل 67 الف مصنع مسجل في في اتحاد الصناعات العراقي وان هذه المصانع بسبب قلة الدعم المقدم لها , سواء فيما يتعلق بتوفير الوقود او الطاقة الكهربائية , بالاضافة الى فتح باب الاستيراد للسلع الاجنبية المدعومة من بلدانها مما جعل المنافسة مستحيلة امام المنتجات المحلية . وترى الباحثة سلام سميسم في حديثها( للمدى) ( ان الوضع العام وتفشي الفساد المالي في البلاد انسحب سريعا الى القطاع الصناعي , واسهم في تراجعه , حيث يفضل الكثير من المسؤولين الاعتماد على الاستيراد , لما يحمله ذلك من صفقات وشراكات وعمولات ( كومشنات ) , تعود بالنفع عليهم فقط . ( المدى ليوم 3/11/2024) . هنا يمكن القول بأن السبب الاخير في شل الارادة السياسية كان ولا زال السبب الاساس (انما الاعمال بالنيات).
ولا ننس ان الاربع سنوات الانتخابية لحد الان لم تقر الرؤية الخاصة لحد 2003 لتعدد سلطات القرارين السياسي والاقتصادي , الذي يجعل القطاع المختلط (رهين المحبسين ) حسب قول الشاعر البصير ابي العلا المعري , انه تلقى الضربتين الاولى كونه احد اتباع القطاع العام والضربة الثانية كونه ممثلا للقطاع الخاص حسب نسبة الشراكة , لذلك كان اكبر المتضررين , وبناء على ذلك يكون هو الاولى بقيادة قاطرة القطاع الصناعي لعراقته كمؤسس للشراكة الحقيقية بين المجتمع والدولة ’ بعد مما اصاب الجهتين من تمزق قبل الثلاثينات فترة تأسيس اول مؤسسة صناعية اهلية وحكومية وهي صناعة السمنت , يشاركها اي المؤسسة الصناعية القطاع الزراعي بممثله المصرف الزراعي, كشراكة فريدة جامعة ليتعشق القطاعين الاساس صناعة وزراعة . مثلا في تبطين الانهر والبنية التحتيته في الطرق والجسور . حيث تبلغ كلف نقل صناعة عجينة الورق اذ تشير الدراسات ان هذه الكلفة تتراوح بين 15% و 20% من اجمالي كلفة الانتاج . ولعل هذا يفسر سبب وجود مصنع الورق على نهر شط العرب , حيث يستخدم النقل المائي الرخيص في نقل المواد المستوردة التي يصل 80% منها عن هذا الطريق , اما المواد الاولية واهمها نباتات القصب والبردي , فأن اكثر من 70% منها ينقل عن هذا الطريق لانخفاضه عن اثمان النقل فيه بنسبة 65% عن الطريق البري .( د.سميرة كاظم الشماع / مناطق الصناعة في العراق /ص 297 / 1980 / اطروحة دكتوراه) . اين نحن الان من النقل المائي والبري وصناعة الورق ؟؟
ويمتاز القطاع المختلط بميزة فريدة جدا سيما بعد فقدان الثقة بالمصارف الاهلية والحكومية ’ كما نلمسها واضحة في الاكتناز الاهلي , اذ بلغ اكثر من 75% من الكتلة النقدية , لذا ينبغي فتح ابواب القطاع المختلط , لغرض استثمار كنوز المجتمع المتحفظ من وضع اموالهم بجهات غير مؤتمنه اجمالا ’ لذلك تكون الضمانة السيادية مصدر اطمئنان للمساهمة بشراء اسهم القطاع المختلط . بعد مشاهدتهم باعلام ملتزم احترافي برؤية المنتج المحلي بعد سد الابواب التي جائنا منها الريح , اي بعد تفعيل الشريك الاكبر اي القطاع العام , ويرون بأم اعينهم تصاعد قيمة اسهم القطاع المختلط من خلال سوق الاوراق المالية , واعتبار الديون السيادية حالها حال الديون الخارجية (التي يتربص صندوق النقد الولي بتحصيلها) ، ولها فاعلية ايجابية للمساهمين الافراد . سيما وان النشاط المختلط لم يقتصر على الصناعة والزراعة بل بأي نشاط يشكو من التراجع والتردد . ولكن لابد ان يأخذ الشريك الاهلي بنظر الاعتبار مسألة الاستقرار السياسي والاقتصادي , حيث يشعر بقلق من عواصف اسعار النفط وتأثيرها على الموازنة الاستثمارية وسياسات الترقيع الانتخابية كبديل وحل للبطالة وما يكتنفها في ظل فساد ليس هينا بكل الاحوال. ولا بد من استدراك قطاع الخدمات الذي يفتقر للادارة المرنه المسندة رسميا في السياحتين الدينية والتقليدية وباقي الخدمات الساندة كالطرق والجسور والمصارف عندما تتسم بازدواجية العام والخاص في الادارة بجدوى اقتصادية , من خلال شركات مختلطة .
فالصناعة والزراعة الحديثة حاضنات القطاع المختلط , لها اعداء اربعة : القلق السياسي والاقتصادي عموما . الطاقة الكهرباية الشحيحة المكلفة . كلفة الوقود . الاستيراد الذي يتقاطع مع القطاعات الثلاث الصناعي والزراعي والمختلط , الذي نأمل ان يكون شامخا وليس بديلا عن القطاعين بل رائدا بفعاليته بدون بيروقراطية ويمتلك حافزية القطاع الخاص , مشكلا امتدادا وطنيا شاملا بأسهم شركاته الموثوق بها اكثر من غيرها وما يكتنفهما من بيروقراطية وهلع المستثمر الاهلي المعقول .
فمشروعنا في طريق التنمية سوف لا يكون الا مجرد محطة ترانزيت بدون ديناميكية متفاعلة وليست متفاغلة ,بل في تحويل وتفعيل المحاور ا لى لوبيات في المجال الاجتماعي بعد توظيف اموال الناس كأسهم في شركات القطاع المختلط او كشراكات فاعله بأكثر من 50% ’ وصولا لتحولها من القوة الى الفعل من خلال امتصاص البطالة وصولا لتشكيل لوبيات برلمانية , لتحصل على اغلبية تعطل القرارات المناهظة الصادرة من تراث الدولة العميقة المتكلسة . واذرع التدخل الاقليمي والدولي , المتكئ عليها سواء من المنافذ المشرعة او رجالها من الساسة والسماسرة . فالمشاريع الساندة تمتد المفروض للمدن الصناعية الرافد الاساس والمواكب لمشروعنا الوطني الجاهز لاكمال او تعويض تراجع النفط ونحن على ابواب الذكاء الصناعي ومشاريع تقليل التلوث ,ناهيك عن الزخم السكاني . كل هذا مطروح امام كل عراقي حقيقي قولا وعملا .