بين المسجدين
في آخر رحلة لي للنجف الأشرف صادف أن كان دخولي عبر مدينة الكوفة، ومنذ عبوري جسرها، حتى وصولي لمركز المحافظة كنت ألاحظ خلو الطريق من أي دلالات ثقافية/ عمرانية، تحيل لماضي الكوفة التاريخي، بل إنني لا أبالغ إذا قلت بأن الشارع الرئيس الذي يؤدي إلى مركز محافظة النجف عبر الكوفة، والذي يمر بين المسجدين التاريخيين: الكوفة والسهلة، اللذين يشكلان مركزاً مهما من مراكز السياحة الدينية، لا ابالغ إذا قلت بأن هذا الشارع لا يختلف من ناحية العمران والملامح الخارجية عن شارع مدينة الحصوة، وهي قضاء أو ناحية تقع على الطريق بين بغداد وبعض المحافظات!!
هذا الوصف لا يقتصر على الكوفة وحدها، بل على محافظة النجف الأشرف كلها، ولو أننا قمنا برفع الحضرة العلوية ومسجدي الكوفة والسهلة، وبقية المراقد، من هذه المحافظة فلن يبقى منها أي ملمح حضاري يحيل لمدينة دينية مقدسة!! بل الأغرب من ذلك كله، هو افتقار محافظة النجف للنصب التذكارية ـ ولا أقول التماثيل لأن بعض المراجع يحرمون إقامتها ـ التي تذكر بتاريخ المدينة، أو بعض رموزها الدينية!
إلى ماذا تشير هذه الظاهرة؟ أعتقد بأنها تشير إلى أن افتقارنا إلى التكنوقراط أصبح فاضحاً إلى درجة لم يعد السكوت عنها ممكناً، إذ ما علاقة مسجد الكوفة بـ(بسطات) الفواكه والخضر؟ كيف يمكن للمسؤولين عن هذه المدينة أن يتركوا العشوائية والارتجال يشكلان ملامح المشهد المحيط بأحد أقدم المساجد في الإسلام؟
يبرر المحافظ هذه الظاهرة بمبررات عديدة منها؛ أن مشاريع الإعمار تتركز على البنى التحتية، وهي تستغرق وقتاً طويلاً، يحول دون تلافي بعض المشاكل الملحَّة، ومنها أن المواقع التي يجب إعمارها تعود ملكيتها لمواطنين، وشراؤها يحتاج لتخصيصات مالية، لكن هذه التبريرات تفقد جدواها، إذا تذكرنا أن بعض التغييرات الطفيفة والتي لا تكلف الكثير يمكن لها أن تكون مفيدة، مثلاً اجبار محال بيع الفواكه على طرق عصرية بعرض بضاعتهم، واجبار اصحاب البسطات على الالتزام بتصميم محدد لهذه البسطات، وهكذا، أي شيء يحفظ للمدينة السياحية أدنى مستويات النظافة واللياقة، أما بالنسبة للمظهر التراثي/ الديني فيمكن تحقيقه بالكثير من المبادرات التي لا تكلف الكثير من الجهد والمال، ومدينة دمشق تحتفظ بهذا المظهر، عن طريق تغليف واجهات البنايات بنوع من الحجر يحيل للتاريخ.
ثم هناك مساع يتحدث عنها البعض تهدف كما يقولون لشراء البيوت الموجودة في منطقة الحويش من أجل توسيع الحضرة العلوية، ولهذه البيوت ولأزقتها وللمدارس الدينية المنتشرة فيها، جمال لا يضاهيه جمال، حيث أنها بيوت وأزقة تراثية، يمكن لها أن تُستغل بشكل جيد لتكون مركز استقطاب سياحي كبير، كما يمكن توسعة المرقد من جهات أخرى، لا تتوفر فيها نفس مميزات منطقة الحويش.
عمود قوس عدد(2618)
[post-views]
نشر في: 10 أكتوبر, 2012: 07:11 م