علي الياسري
يمنح فيلم المخرج فنسنت مينيلي لألوان سينماسكوب بهجتها وتأثيرها الساحر في خلق المزاج الفني للنص الدرامي حيث يحمل رواية الكاتب جيمس جونز والمرتكزة على سيرة شخصية الى حد ما الى استنباط الجوهر الشعوري المُضمن فيها على مظهر الصورة. يدعم ذلك من خلال الاداء التمثيلي الممتاز للممثلين (سيناترا، مارتن، مكلين، هاير). تأطيرات مينيلي الواسعة تفعل اثرها ببطء في جلب الحزن الكامن كغضب متمرد واستنزاف وجودي محبط على الشاشة. اذكر ان هذه الاحاسيس المُبطنة وعدم فهمي لها خصوصًا في الثلث الاول للفيلم اسرتني وانا صغير حين شاهدته لأول مرة واكتشفت مضامينها مرة اخرى مع تعقيدات النضوج.
مثل الرواية الاصل -التي هاجمها النقاد كثيرًا- الفيلم لا يقبل الخيارات الوسطية اما ان تتناغم مع ايقاعاته الدرامية والشعورية التي تعززها الالوان المبهرجة وموسيقى إلمر برنيستين الداعمة او يجتاحك الشعور بالملل والضجر من واقعه السردي المتسم بالفعل العادي والذي يراه الناقد الادبي ساندرز يعطي الاهمية لشخوص الرواية ويمنح المعنى للحوار التافه حتى.
سلسلة مشهد الختام التي كان لها تأثير بالغ على عديد المخرجين تقدم القدرة العالية للسينما في أستكشاف التناقض الجوهري للحياة بين البهجة وصدمات الألم والانتقالات من قمة الفرح الى قعر الحزن. يعمل المخرج مينيلي على ذلك بضخ اكبر قدر من اللون والموسيقى لتحريك الشعور الى اقصاه.
ان النقيض الذي يدفعه الفيلم للواجهة عند النهاية هو ذلك السواد الحزين المُعبر عن كل طيف المشاعر الواردة على خط السرد لخلق النبرة الداخلية حيث الاحباط والسأم والوحدة والحاجة الى الحب تظل احساساً يتحرك خفية وسط خطوات البشر المحمومة للنجاح او مساعي تحقيق السعادة بالارتكاز على الواقع المادي.