علي حسين
مرت في اليومين الماضيين ذكرى ميلاد أم كلثوم التي ما تزال علامة من علامات الزمن الجميل، سيقول البعض يارجل لماذا تصر على تقليب دفاتر الماضي ، ولا تريد ان تنتبه للحاضر ؟ .. ياسادة الحاضر وخصوصا في بلاد ما بين النهرين غريب وعجيب ، فمرة يحذرونك من النظام السوري الجديد ، ومرة يقولون لك بان العلاقة مع سوريا الجديدة تسير في طريقها الصحيح ، وما بين مرة ومرة خرج علينا السيد نوري المالكي ليخبرنا ان رياح التهديد ستمر عبر مصر والسعودية والامارات ، والمضحك في مثل هذه الاخبار ان اصحابها يطلبون من العراقيين ان يصبروا ، فالمهم الديمقراطية العراقية تعيش ازهى عصورها، وعلى المواطن العراقي ان لا يردد اغنية كوكب الشرق للصبر حدود.
على مدى قرن اصبح لام كلثوم جمهوريتها ومواطنون يرددون معها كل مساء وهي تشد على منديلها: " أَعطني حُريَتي اَطلِق يدي إِنني أَعطَيتُ مَا استبْقَيت شيَ". في عصر أم كلثوم كانت مصر ومعها بلدان العرب تبشر بثقافة جديدة تتمرد على ثقافة الغيب ، إسماعيل مظهر يترجم داروين إلى العربية ، وشبلي شميل يبشر بأفكار ماركس وإنجلز، وسلامة موسى يكتب عن سوبرمان نيتشه، فيما الرصافي يكتب عن الاشتراكية بأنها: "وعد بمجتمع، لا سيد فيه ولا مسود، يأخذ كل من فيه حقه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس"، في ذلك الوقت أصر الزهاوي على أن يقود معركة "السفور" إلى النهاية وهو يردد : مزّقي يا ابنــــة العـــراق الحجابــــا..
اليوم نتذكر درس أم كلثوم عن الحب والفرح والمسرة، حين نجد من يسخر من تاريخ بلاده، ويصر على أن العراقيين شعب خامل كان من الأفضل لهم أن يرضوا بالمقسوم، ولا يورطوا انفسهم في الاحتجاج والثورة على الاوضاع ، ولا تزال احزابنا تقول للشعب: الصبر جميل.
كانت أم كلثوم حريصة على فنها ، ويذكر الصحفي محمود عوض في كتابه " ام كلثوم التي لا يعرفها احد " ان كوكب الشرق رفعت دعوى قضائبة ضد الملحن محمد الموجي لانه تأخر في تلحين اغنية " للصبر حدود " وطالبته بدفع تعويض مالي ، وحين وقف الموجي امام القاضي ، طلب مهلة ، فردت عليه ام كلثوم بعبارة واحدة " للصبر حدود " ، عندها اصدر القاضي حكما بتغريم الموجي 500 جنيه.
بعد 21 عاماً يبدو أن التغيير الحقيقي صار خيالا، واكتشف المواطن "المغلوب على أمره" أن ما جرى خلال السنوات الماضية ليس مقطوع الصلة بما جرى أيام حقبة "القائد الضرورة " . فمن يغني للمسؤول العراقي اغنية للصبر حدود، ويطالبه بدفع غرامة عشرات المليارات من الاموال التي نهبت في مشاريع وهمية؟.