بعد عشرة أيام فقط من إعلان باراك اوباما انتهاء المهمة القتالية في العراق، كما وعد، صرّح احد كبار العسكريين العراقيين –الفريق بابكر زيباري- بأن قواته لن تتمكن من حماية وتأمين حدود العراق على مدى قرن آخر، ولم تتمكن الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الوزراء نوري المالكي قبل يوم من ذلك التصريح، من تغيير وجهة نظر زيباري.
وكان توقيت تصريحات زيباري مهماً في ذلك الوقت، حيث جاءت عندما كان نطاق وحجم الالتزامات العسكرية الأميركية صغيرا. لكن كم هو عدد القوات الأميركية التي ستبقى بعد انتهاء اتفاقية وضع القوات؟ هل ستكون 30 او 50 ألفاً او أكثر؟ بالنسبة الى رئيس وعد باخراج اميركا مما اسماه في يوم ما "الحرب الخرساء"، فان المؤشرات حينها لم تكن مشجعة. ان مغادرة العراق اثبتت انها اكثر تعقيدا من اجتياحه.
وبعد خمسة أشهر من انتخابات تنافسية مريرة أفرزت جمودا سياسيا، عاد تنظيم القاعدة عن طريق تحريض العشرات من جنود المشاة من ابناء السنّة على الانضمام للجهاد وكذلك عن طريق اغتيال قادتهم. وبين تركيز القاعدة على (أبناء العراق) وعداء السيد المالكي لهم –حيث كان يعتبرهم دائما بمثابة حصان طروادة– كانت مراتب حركة أبناء العراق تتعرض الى استنزاف خطير، كما أن الوضع الأمني قد تدهور إلى حد كبير في المناطق الوسطى من العراق؛ حيث قتل 535 مدنيا في شهر واحد وهو جزء بسيط من عدد القتلى في ذروة الاقتتال الطائفي، الا انه يبقى بعيدا جدا عن وصفه آمنا ومستقراً.
ثم جاء بعد ذلك المأزق السياسي بين المالكي والمنتصر اسميا في انتخابات 7 آذار، إياد علاوي، رئيس الوزراء السابق الذي كان يسعى الى بناء دعم مناهض للطائفية. ولقيت تلك الانتخابات ترحيبا سابقا لأوانه من اوباما بسبب نجاحها، الا ان كل ما حدث منذ ذلك الوقت أغرق ذلك التفاؤل في حقيقة باردة. كلا الرجلين لم يكن يحبذ الالتزام بقواعد لا تصب في مصلحته. ومن بين الخيارات الثلاثة للخروج من المأزق كانت الولايات المتحدة تتبع عبثا الخيار الثاني – كانت الخيارات هي: تعيين حكومة تصريف أعمال وإجراء انتخابات جديدة؛ متابعة ترتيب تقاسم السلطة بين الرجلين؛ او تعيين رئيس وزراء شيعي يحظى بقبول اكثر لدى السنة. وظلت أوضاع الكرد جيدة في الشمال، والشيعة يتمتعون بعصر نهضة في البصرة من واردات النفط. لكن ما الذي جناه السنّة في المحافظات الوسطى من التزامهم بالعملية السياسية في انتخابات آذار؟
بالرغم من ادعاء ادارة اوباما عكس ذلك، فان العراق يشكل لها مشكلة رئيسية ومسؤولية كبيرة. ومهما حاولت اعادة تصنيف وتسمية مهمتها فان الاحتلال لم ينته، لأنه لو كان قد انتهى لكانت حكومة المالكي قد انهارت ولسقطت المنطقة الخضراء. صحيح ان اوباما يستحق الثقة لسحبه 50 ألف مقاتل من العراق، لكن الحقيقة هي ان عشرات الالاف من القوات الاميركية ستبقى في العراق على مدى السنوات القادمة مع مئة الف من المتعاقدين الأهليين والمرتزقة المسلحين. ومن خلال حجم مهبط طائرات الهليكوبتر الذي يجري بناؤه بالقرب من السفارة الاميركية، يمكن الحكم على ان هذا الوضع لن يتغير على المدى القريب.
وبدلا من ممارسة لعبة الكلام والدلالات التي لعبها جورج بوش وبدلا من تكرار وصف العمليات القتالية بانها عمليات من اجل الاستقرار، على اوباما ان يكرس المزيد من الوقت لتأمين ظهور حكومة مستقرة ديمقراطية في العراق. اذا كانت هناك حاجة الى زخم دبلوماسي، فان العراق هو احوج ما يكون اليه اليوم.
هناك القليل من الامور الايجابية التي يمكن التحدث عنها بشأن العراق. لقد سبق ان أشعلت اميركا فتيل حرب اهلية في العراق من خلال اللعب على الورقة الطائفية، لكنها اثبتت عدم قدرتها على اعادة بناء البلد الذي دمرته من خلال اجتياحها له.
والآن العراق ليس بلدا ديمقراطيا، وإنما هو قطعة رقيقة وهشة من دولة لازال بالإمكان تقطيعها على أسس طائفية – كما وعدوا بذلك وحسب المنهج.
عن: الغارديان البريطانية
جميع التعليقات 1
ميثم
تحية طيبة لم اتمكن من الوصول الى اصل الخبر في الغارديان أرجو نشر رابط الخبر أو ارسله لي عبر البريد الالكتروني