TOP

جريدة المدى > سياسية > تعنيف النساء في العراق.. أزمة مستمرة تفتك بالنساء

تعنيف النساء في العراق.. أزمة مستمرة تفتك بالنساء

قانون العنف الأسري "ليس ترفاً تشريعياً"!

نشر في: 2 يناير, 2025: 12:44 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

تعاني النساء بشكل متزايد من العنف الأسري بمختلف أشكاله، وتشير التقارير إلى أن النساء هن الأكثر تأثراً بالعنف الأسري، إذ يتم استهدافهن من قبل شركاء الحياة أو أفراد الأسرة بسبب نقص الحماية القانونية والغياب الفعلي للمؤسسات التي توفر الدعم والمساعدة. في العديد من الحالات، يُجبرن على تحمل العنف بسبب التقاليد الاجتماعية التي تبرر تعرضهن للإيذاء، حيث يُنظر إلى العنف كوسيلة "مشروعة" للتأديب داخل الأسرة.
ووسط تزايد حوادث العنف الأسري في العراق، يظل مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، الذي أقرته الحكومة العراقية عام 2020، عالقاً في أدراج مجلس النواب. على مدى أكثر من أربع سنوات، لم يُطرح القانون للتصويت بسبب معارضة شديدة من أطراف سياسية ودينية تعتبره تهديداً لقيم الأسرة وتعتقد أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية، تقول ذلك الناشطة النسوية، مرح إياد. تتحدث مرح لـ(المدى)، بحرقة عن هذا الوضع؛ "نحن نعيش في بلد ترتفع فيه نسب الجرائم الناتجة عن العنف الأسري، بينما يبقى قانون الحماية مجرد حبر على ورق، معطلاً بذرائع ومبررات واهية". وتضيف: "الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية والأجنحة السياسية للفصائل المسلحة تعارض القانون بحجة أنه يهدد وحدة الأسرة، بينما الواقع يشهد تدميراً يومياً للأسر بسبب غياب الحماية القانونية".

مأساة امرأة اختفت خلف أبواب مغلقة
لا يقتصر حديث "مرح" على الحقائق المجردة؛ بل تسلط الضوء على قصص إنسانية تعكس المعاناة التي تعيشها النساء في العراق. من بين هذه القصص، حكاية امرأة عاشت تجربة مؤلمة انتهت بمأساة مفجعة. "كانت امرأة شابة متزوجة من رجل يتمتع بمكانة مادية واجتماعية مرموقة، لكن خلف هذا البريق كان هناك عنف متوحش. كانت تُضرب بشكل هستيري في كل مرة يفقد فيها السيطرة على غضبه"، تقول مرح.
حاولت الضحية طلب المساعدة من عائلتها. اشتكت مراراً وتكراراً، ولكن بدلاً من تقديم الدعم، قوبلت مطالبها بالرفض. والداها نصحاها بالتحمل، مبررين تصرفات زوجها بضغوط عمله واعتبار الطلاق وصمة عار. تقول مرح: "حتى عندما كُسر ساعدها بسبب عنف زوجها، لم تلجأ العائلة إلى المستشفى الرسمي خوفاً من الفضيحة، واكتفوا بعلاجها في عيادة غير رسمية". تفاقم الوضع يوماً بعد يوم، وانتهت حياتها بشكل مأساوي. "قالوا إنها انتحرت حرقاً، لكن عائلتها لا تزال تشكك في هذه الرواية. هم يعتقدون أن زوجها كان السبب الحقيقي وراء موتها"، تضيف مرح بحزن.
تعتقد مرح أن هذه القصة واحدة من آلاف القصص التي لا تصل إلى الإعلام، لكنها تعكس واقعاً مؤلماً يعيشه الكثيرون بصمت. وتؤكد أن تأخير التصويت على مشروع قانون مناهضة العنف الأسري يعني المزيد من الأرواح التي تُزهق والمزيد من العائلات التي تتحطم.
"هذا القانون ليس رفاهية أو ترفاً تشريعياً. إنه ضرورة إنسانية"، تقول مرح، مضيفة: "نحتاج إلى قانون يحمي النساء والأطفال ويمنحهم فرصة للعيش بأمان بعيداً عن العنف".

ظاهرة "مستمرة"
الحقوقي مصطفى البياتي يوضح أن القضاء العراقي يعالج حالات العنف الأسري استنادًا إلى المادة (41-1) من قانون العقوبات العراقي رقم (111 لسنة 1969)، التي تعتبر "تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء لأبنائهم القصر" ضمن الحقوق المشروعة المقررة قانونًا، حيث تتيح هذه المادة للزوج أو الأب استخدام العنف في بعض الحالات تحت مسمى "تأديب".
ويؤكد البياتي لـ(المدى)، أن هذه المادة تُعد واحدة من أكبر العوائق القانونية أمام مكافحة العنف الأسري، لأنها تشرع العنف في إطار الأسرة بدلاً من حماية الضحايا.
ويضيف البياتي أن العنف الأسري في العراق ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو ظاهرة مستمرة ترتبط بعدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تُسهم في تفشيها. من بين هذه العوامل، يشير البياتي إلى "تجذر العنف في المجتمع" الذي أصبح جزءًا من ثقافة التعامل اليومي، حيث يُعتبر العنف أداة مقبولة لحل الخلافات الأسرية. كما يُشدد على أن القوانين الحالية، التي تبرر العنف تحت مسمى "التأديب"، تزيد من تعقيد المشكلة وتُعطي فرصة للمعتدين للإفلات من العقاب.
إلى جانب ذلك، يوضح البياتي أن عوامل أخرى مثل "البطالة والفقر" تلعب دورًا كبيرًا في زيادة العنف الأسري، حيث يساهم الضغط الاقتصادي الكبير على الأسر في تصاعد التوترات والمشاكل العائلية، مما يؤدي إلى العنف في العديد من الحالات. كما أن "انتشار المخدرات" في بعض المناطق العراقية أدى إلى زيادة السلوكيات العنيفة التي تنتقل إلى الأُسر وتنعكس على العلاقات داخل البيت.
وفيما يخص الحلول الممكنة، يشير البياتي إلى أن العراق بحاجة إلى "إجراءات أكثر صرامة" للحد من العنف الأسري، ويعتبر أن الخطوة الأهم هي "تشريع قانون يحمي الضحايا" ويُجرم العنف الأسري بشكل صريح. وفي هذا السياق، يتحدث البياتي عن الجهود السابقة التي قامت بها الحكومات العراقية المتعاقبة لمكافحة العنف الأسري، حيث أصدرت استراتيجيات تتعلق بالحد من هذه الظاهرة داخل المجتمع. إلا أن هذه السياسات باءت بالفشل بسبب "غياب القوانين المنظمة" التي تُلزم الجميع بتطبيقها.
وبالنسبة للمشاريع التشريعية، يوضح البياتي أنه تم طرح مشروع قانون لمناهضة العنف الأسري في مجلس النواب عامي 2019 و2020، إلا أن هذا المشروع توقف بعد نقاشات طويلة في البرلمان دون التوصل إلى قرار نهائي. قبل ذلك، تم تقديم مسودة قانون مماثلة في عام 2015، لكن مصيرها كان مشابهًا إذ لم تُقر.
وفي عام 2020، خلال فترة جائحة كوفيد-19، أعربت وكالات الأمم المتحدة عن قلقها إزاء تزايد حالات العنف الأسري في العراق، وخصوصًا مع الإجراءات الصارمة التي فرضتها الجائحة. ولفت البياتي إلى أن مسودة قانون مناهضة العنف الأسري التي نوقشت في عام 2019، تضمنت أحكامًا مهمة تخص توفير خدمات للضحايا، مثل "أوامر تقييد" وقرارات لحماية النساء المعنفات، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء "ملاجئ حكومية" لإيواء الضحايا بالتنسيق مع منظمات حقوق المرأة المحلية. ورغم أهمية هذه الخطوات، يؤكد البياتي أن غياب التشريع الفعلي يجعل العديد من ضحايا العنف يُضطررن إلى اللجوء إلى "السجون" كملاذ مؤقت، مما يزيد من معاناتهن.
وأخيرًا، يسلط البياتي الضوء على ما يُسمى بـ"جرائم الشرف"، حيث يذكر أن القانون العراقي يقلل من العقوبات في قضايا القتل التي يُعتقد أنها حدثت بسبب "شرف" العائلة، ما يُسهم في تبرير أعمال القتل أو العنف ضد النساء في بعض الحالات. ويطالب البياتي بإلغاء هذه المواد التي تُسهم في تعزيز ثقافة العنف الأسري وتسمح بمرورها دون عقاب، داعيًا إلى "إجراءات تشريعية سريعة" تهدف إلى حماية المرأة وتوفير بيئة آمنة لها بعيدًا عن العنف.
في ذات السياق، تقول ريزان شيخ دلير، ناشطة سياسية ونائبة سابقة، إن "التوجه الحكومي في ملف المرأة في العراق ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل والتطوير. على الرغم من وجود بعض المديرات والهيئات المعنية في مكافحة العنف الأسري، إلا أن هناك فجوة واضحة في العمل الفعلي على الأرض. فعلى سبيل المثال، محاكم العنف الأسري ومديريات المكافحة لا تزال تعمل بشكل غير كافٍ، وهناك نقص في الدعم الفعلي للأسر في مواجهة التحديات الاجتماعية والقانونية". وأضافت لـ(المدى)؛ أنه "نحتاج إلى أماكن آمنة للأسر التي تواجه مشاكل، وإلى استشارات قانونية واجتماعية لإصلاح المجتمع. لكن هذا كله غائب بشكل كبير في العراق، ولا نجد سلطة مجتمعية قادرة على معالجة هذه القضايا بالشكل الصحيح"، ملوحة الى وجود "فراغ قانوني واضح يعيق تقدمنا في معالجة هذه القضايا". وأشارت إلى أن “المجلس الأعلى للمرأة، الذي كان من المفترض أن يكون القوة المحركة في هذه القضايا، يعاني من ضعف في التنسيق، حيث أن العديد من الوزراء في هذا المجلس لا يمتلكون فهماً حقيقياً لقضايا المرأة. الوضع الذي نراه اليوم بعيد عن تحقيق الأهداف المرجوة".
وفيما يتعلق بلجنة المرأة النيابية، قالت ريزان: "من المؤسف أن هذه اللجنة لم تكن قادرة على تبني تشريعات تخدم المرأة العراقية بشكل حقيقي. بل إن هناك العديد من الاقتراحات القانونية التي لم تحظَ باهتمام كافٍ، بل نجدها تقف مع قوانين تقيد حقوق النساء"، واقترحت ريزان أن يتم تغير اسم هذه اللجنة إلى "لجنة الرجل".

عام من التحديات القانونية
تصف الناشطة النسوية إسراء سلمان عام 2024 بأنه “عام التحدي” بالنسبة للمجتمع العراقي، وخاصة النساء، في ظل سلسلة من المواقف الصعبة والتحديات القانونية والاجتماعية. وأوضحت سلمان لـ(المدى) أن العام شهد محاولات لتعديل قانون الأحوال الشخصية، في وقت كانت التطلعات تتجه نحو إقرار قانون العنف الأسري الذي لا يزال معلقًا حتى الآن.
وترى سلمان، أن "أسباب تعطيل قانون العنف الأسري تتقاطع مع أجندات الجهات التي تدعو لتعديل قانون الأحوال الشخصية". وأضافت أن تلك الجهات تروج لفكرة أن إقرار قانون العنف الأسري يهدد بتفكيك المجتمع ويتعارض مع الشريعة الإسلامية، رغم عدم وجود أي نص قانوني أو مقترح يدعم تلك المزاعم.
وتعتبر سلمان، أن "عام 2024 لم يشهد أي تطور قانوني يعزز من حقوق النساء أو يحميهن من العنف".بل على العكس، وصفته بأنه عام التراجع الحقيقي الذي حاول البعض من خلاله العودة بالبلاد إلى سنوات مظلمة.

أرقام وإحصاءات
يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، أن حالات العنف الأسري في العراق في ارتفاع، حيث بلغت الدعاوى المسجلة خلال ثلاث سنوات 53,889 دعوى. وأوضح الغراوي لـ "المدى"، أن "عدد الدعاوى المسجلة خلال النصف الأول من عام 2024 بلغ 13,857، بينما سجلت الدعاوى في عام 2023 نحو 18,436، وفي عام 2022 بلغت 21,595.
وأشار إلى أن 75% من الحالات تتعلق باعتداء الزوج على الزوجة، بينما بلغ اعتداء الزوجة على الزوج 17%، واعتداء الأبوين على الأطفال 6%، والاعتداء على كبار السن 2%.
وأضاف أن أعلى نسبة من جرائم العنف الأسري خلال النصف الأول من عام 2024 سجلت في محافظة بغداد بنسبة 31%، في حين كانت أقل النسب في محافظة صلاح الدين بنسبة 5%.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التربية تثبت مديرين عامين بالأصالة في 7 محافظات

اعتقال أكثر من 5600 متهم بـ"الإرهاب" خلال 2024 في العراق

الزوراء يتغلب على الجوية في كلاسيكو العراق

وزير العدل يوجه بإعفاء مدير سجن التاجي

عراقجي: مستعدون للتفاوض على أساس صيغة بناء الثقة مقابل رفع العقوبات

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

زيارة مرتقبة للسوداني إلى طهران: الغاز والوضع في سوريا على رأس الأولويات
سياسية

زيارة مرتقبة للسوداني إلى طهران: الغاز والوضع في سوريا على رأس الأولويات

 بغداد/ تميم الحسن تبدو كلمة السر لتجنب العراق "مفاجآت" ما بعد عاصفة سوريا هي البقاء على "الحياد" تجاه الأزمات الكبيرة في المنطقة.نجحت خطة "الحياد العراقي" منذ الحرب في غزة (أكتوبر 2023)، ولكن هل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram