بغداد/ تميم الحسن
تبدو كلمة السر لتجنب العراق "مفاجآت" ما بعد عاصفة سوريا هي البقاء على "الحياد" تجاه الأزمات الكبيرة في المنطقة.
نجحت خطة "الحياد العراقي" منذ الحرب في غزة (أكتوبر 2023)، ولكن هل ستصمد أمام "السيناريوهات المقلقة" القادمة؟
تشير المعلومات إلى أن "الحياد" وحده لم يعد كافياً الآن، بعد الحديث عن "الشرق الأوسط الجديد"، وعليه، فإن العراق قد يكون مضطراً للاختيار.
وكان من المفترض أن يزور محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، طهران يوم الثلاثاء الماضي، في أول زيارة له بعد استلام الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان الرئاسة في إيران.
ولأسباب غير معروفة لم تتم الزيارة، وفقاً لما تم تسريبه، لكن الخارجية الإيرانية أكدت بعد ذلك أن السوداني سيزور طهران نهاية الأسبوع المقبل.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سيقوم بزيارة طهران نهاية الأسبوع المقبل؛ حيث سيلتقي كبار المسؤولين في البلاد.
وأوضح بقائي في تصريح للصحفيين يوم الثلاثاء الماضي أن "زيارة السوداني إلى طهران تأتي في إطار المشاورات المستمرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العراقية، وبهدف توسيع العلاقات الثنائية واستعراض التطورات الإقليمية".
لا تزال طهران تتبنى موقفاً تصعيدياً تجاه المتغيرات في سوريا، كما تعتقد أن الأوضاع ستنقلب في دمشق لصالحها قريباً. هذا الموقف تؤيده أطراف سياسية شيعية وفصائل في العراق، وترفض التطبيع مع السلطة الجديدة في سوريا.
كانت بغداد قد ارتبكت مع بداية الأزمة السورية العام الماضي، وقررت في البداية دعم نظام الأسد.
"الإطار التنسيقي" تمسك بسردية نوري المالكي، زعيم دولة القانون، التي تفيد بأن سقوط سوريا يعني بالضرورة سقوط العراق.
لكن هذا الموقف تغير تدريجياً (رغم أن المالكي وبعض الفصائل لا يزالون ملتزمين به) مع تغيّر الأوضاع على الأرض ومفاجأة هروب بشار الأسد، الرئيس السوري، وسيطرة الفصائل على دمشق مطلع كانون الأول الماضي.
تنازلت بغداد بعد ذلك عن وصف النظام في سوريا بـ"الإرهابي"، وقررت إرسال مدير المخابرات حميد الشطري بعد أسبوع من تعيينه للقاء أحمد الشرع (الجولاني)، حاكم سوريا الجديد.
ويوم الاثنين الماضي، أكد وزير الخارجية فؤاد حسين أن العراق سيعيد جميع أفراد بعثته الدبلوماسية إلى دمشق، خلال اتصاله بنظيره السوري في الإدارة الجديدة أسعد الشيباني.
وقبل أسبوع، ذكر السوداني أنه تم "استئناف عمل البعثة الدبلوماسية في سوريا"، في حين نفى التواصل مع الجولاني. تشير المعلومات التي حصلت عليها (المدى) إلى أن السوداني سيؤكد خلال زيارته المرتقبة إلى إيران، وربما بعدها إلى قطر، "مصلحة العراق في البقاء على الحياد دون التدخل في الأزمة السورية كما تطلب طهران ذلك".
وتفيد المعلومات بأن إيران طلبت من بغداد "المساعدة في حماية نظام الأسد ومنع الفصائل السورية من السيطرة على دمشق".ومن اللافت أن الفصائل العراقية في سوريا اختفت بشكل غير مفهوم قبل وقت قصير من هروب الأسد إلى موسكو.
وسبق للسوداني أن زار إيران في شهر تشرين الثاني 2023، والتقى حينها المرشد الأعلى علي الخامنئي.
وتركز اللقاء في وقتها على الأحداث التي شهدها قطاع غزّة. كما التقى السوداني خلال زيارته كبار القادة في إيران.
وأجرى السوداني، الأسبوع الحالي، جولة لقاءات شملت الحلفاء وبعض الخصوم، أبرزهم المالكي، حيث دار النقاش حول الأزمة في المنطقة ودعم سوريا.
وترددت مؤخرًا أنباء عن سعي المالكي لتشكيل فصيل مسلح جديد تحت مسمى "أبناء الدولة"، بهدف "حماية البلاد من أي خطر مستقبلي"، وذلك في ضوء التحولات في سوريا، وهو ما نفته كتلته بعد ذلك. ويرى مثال الآلوسي، وهو نائب سابق، أن "على بغداد أن تختار اليوم بين الولايات المتحدة وإيران؛ فالحياد لم يعد مفيدًا الآن". وتفتخر بغداد بأنها قد تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك علاقات متميزة مع طهران وواشنطن في الوقت نفسه.
لكن واشنطن بدأت مؤخرًا بالضغط على بغداد، وفقًا لمستشار حكومي كشف عن طلب أمريكي لـ"حل الحشد الشعبي".
كما لمح محمود المشهداني، رئيس البرلمان السابق، إلى القضية ذاتها، كاشفًا في تصريحات لوسائل إعلام عربية أن "ترامب طلب من السوداني حصر السلاح بيد الدولة".
ملف الغاز
الزيارة المرتقبة إلى إيران لن تقتصر على قضية الفصائل والأوضاع الجديدة في سوريا.
ويرى محمد الشمري، وهو نائب عن دولة القانون، أن ذهاب رئيس الحكومة إلى إيران يتعلق بالإضافة إلى الأوضاع في سوريا بمناقشة "ملف الغاز".
تمر البلاد بأزمة في توفير الطاقة الكهربائية بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني منذ أكثر من شهر.
ويُعتقد أن السبب الحقيقي لقطع الغاز الإيراني عن العراق هو نقص الغاز في إيران مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة وزيادة الحاجة للتدفئة، بحسب خبراء في الاقتصاد.
وكانت وزارة الكهرباء العراقية قد أعلنت، يوم 24 من شهر تشرين الثاني الماضي، توقف إمدادات الغاز المورد الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يومًا عن بغداد والمحافظات الوسطى والفرات الأوسط، ما تسبب بفقدان منظومة الكهرباء الوطنية 5500 ميغاواط.
ويقول أستاذ الاقتصاد في البصرة نبيل المرسومي، في تدوينة على "فيسبوك"، إنه "حتى الآن ما زال الضخ متوقفًا، على الرغم من مرور أكثر من شهر على إيقافه، في حين أن إيران لم تقطع الغاز عن تركيا، التي تعتمد هي الأخرى على الغاز الطبيعي الإيراني بنسبة تتراوح بين 16 إلى 18%، وذلك رغم حاجة طهران لكل الغاز".