طالب عبد العزيز
لا أريدُ أنْ أغنّيَ أغنيةً لا تعني أحداً، ولا أظنّه مناسباً وقوفك على أسباب تراجع الضوء في الأباجورة عند الباب، وقد يجدي نفعاً أنْ تهمل شَعْري ببياضه، هكذا: لكنْ تعالَ، خذه معك، أنتَ ذاهبٌ الى الشرق، وأنا عائدٌ منه، أنتّ مرسلٌ في الحقائب، وأنا مفجوعة بالنهايات. الإجابة هذه حقٌّ يكتمل الليلة. أكان عليَّ أنْ أضحك طويلاً، لأبدو أمامك حمقاءَ أكثر؟ تستيقظ بلدةٌ بأكملها على صوت قبلةٍ لعاشقَين، في أرض مأهولةٍ بالجمال لا يضيرُ الآلهةَ ما يحدثه جسدان عاشقان من عواصف، وإن سقط عن ذلك نخلٌ وتوتٌ كثير … وكونك لم ترَ يدي وهي تعيدُ ترتيب شعري هذا لا يعني أنني أطمرها في جيبي دائماً.
قميصُك هو الذي ظلَّ بمائه طوال الليل، لا أنا، كنتُ انتظرتكَ على حافة السرير، لكنَّ غيابك منجمَ التوتياء الثقيل أمهلني ما لا أحتمله، وقصيدةً إثر أخرى كان الليلُ يتسوّلنا عند الباب، أنتَ تفتحُ ظلفةً، وأغلقُ أنا أخرى، أنتَ بمنجل لا حصيد له، وأنا بمُلاءةٍ تشفُّ، حتى إذا لم يبق من ظلمته إلا ما يستره توارى. ما يبهجُ لا يلمع كثيراً، أنا نصفُ العطر الذي تضعه خلف أذنيك، ومثلُ قليل أنا خلفَ ما هو كثيرٌ وسرمديٌّ، ولأنه لا يأتي فقد كان واقفاً، ظلُّكَ الذي يراودني، هذا الذي لا يصلُ لأنَّه الفجر، وأذهبُ لأنني المساء، هكذا تركتُ الامسَ يمضي كعادته. السريرُ وحده يحتفلُ بجسدي.
شدّني من شعري أكثرَ إنْ كنتَ تحبّني، اِجعل المساءَ أكثر غروباً إنْ كنت تحبّني، دعْ قدمي اليسرى معلقةً في الفضاء، وقلم الحمرةِ أحمرَ إنْ كنت تحبّني، لا تترك النَّهر خلف ظهرك إذا جئت إنْ كنت تحبّني، افتحْ أزرارَ قميصِك كلَّها، وليدخل الضوءُ من عينيك إنْ كنت تحبّني، اغلق النافذة برأسك، أو اكسرها، ولتكن الستارةُ بلون النبيذ إنْ كنت تحبّني، ضمّني تحت جناحك الرَّطب، وليكن ظلعُك نابتاَ في ظلعي، أغمسهُ في النجيع الذي بيننا إنْ كنت تحبّني، أسرجْ الموقدَ الذي يحرقني، أسرجهُ، لا تتأخر، وليحرق أنفاسَك أولاً، إنْ كنت تحبّني، ذلك لأنَّ بائعَ العسل يهرمُ أيضاً، كذلك سيكون ناسخُ كتبِ الوجد. مبللةً بالفقد والجنون أبحثُ في فقاقيع المطر عن سبب لغيباك.
ما الذي يجعل الأشياءَ ممكنةً! أهو الضوء الذي يتصبب من المصابيح، أم السلالم التي تبلغنا مأمنها؟ عليَّ أنْ أدفنَ الأغنيةَ في قلبي الذي تنكره بشكلٍّ لائقٍ، أنت تحبُّ الثوب الذي أنا فيه، تكره الزخرفَ، ممهوراً، غامضاً على فخذي، أنا في السيمياء أحوجني اليك، فلا تفردُ أصابعك بوجه الريح، أو خذ مصباحَكَ العجوز، أضئ الأرضَ التي حوله، سيقومُ من يبس البلاد ماءٌ، ويفيق من خدر ونعاس منزلٌ، ولن يكون بمقدورك ألّا تتنفسهُ الهواءُ المتعجل. من العار ايضاً أنْ تدّخر مديتك طويلاً، أكثر من مناسبة لإشهارها.
أنتَ أبقيتَ الاسيجةَ عاليةً حتى أنَّ النَّهار ظلَّ خلفها واجماً، أنت لا تريدني في سريرك الليلة، لذا، سأنامُ في الركن الذي أهملته القوارض، من الحديقة، وعلى العشب سألدُ الطفل الذي تأملته طويلاً هناك. في الأعلى، عند مفترق من سُبُلٍ لا أدلّاءَ عليها، ثمة منزلٌ حيطانه مائلة، على تِرعةٍ، خِربةٍ، عند العربة التي لا حصان بجوارها، ولا أحد يسرقها. في المخزن الفارغ الذي لا يقْدِمُ أحدٌ على إحراقه، قرب أجمة الغَرَبِ والطرفاء، حيث نامت على ظهرها أمّي، الجميلة التي أحصت الأعمدة، واحداً واحداً ولم تدرك العمودَ الذي علّقتُ مُلاءتي عليه، هناكَ، سأقفُ، لا لأنتظرك لكنْ لأرى الغروب وهو يجري ماءً تحت قدميك.