متابعة المدى
نظم نادي المدى الثقافي، فرع أربيل، بالاشتراك مع معهد غوته الألماني ندوة لمناقشة كتاب “القراءة صنعة العظماء” ضمن فعالياته التي شملت حلقات نقاش حول العديد من المؤلفات والمواضيع الخاصة بمفهوم القراءة، كما اتسع برنامج النادي في غضون هذا العام لاستضافة أسماء ثقافية، وبذلك أتيحت الفرصة لفتح باب الحوار بين القراء والكتاب بشأن أعمالهم الإبداعية.
في الجلسة الأخيرة شارك الكاتب العراقي كه يلان محمد مع الحضور وأعضاء النادي بتقديم ورقة حول أهمية الإصدارات التي تكرس للإبانة عن أهمية القراءة، ومنها ما نشره الكاتب العماني نعيم محمد الفارسي بعنوان “القراء صنعة العظماء”.
وأشار محمد في سياق مشاركته إلى دور البيئة في الاهتمام بالقراءة لافتا إلى ما قاله سارتر بأن الإنسان لا يولد قارئا بل يكتسب صفة القارئ متأثرا بالواقع الأسري والمجتمعي الذي ينشأ في كنفه. وتابع قائلا بأنه ليس من المنطق التوقع بأن الاهتمام بالكتب والقراءة بالمستوى نفسه لدى الجميع، لذا من الضروري تحديد ما يجعل القراءة عرفا لدى البعض بينما لا يبدو الأمر بذات الوزن من الأهمية عند غيرهم. الكتاب يفيد كل من يهتم بالقراءة خصوصا من يريد معرفة دورها في النهوض الفكري والخروج من الخط التقليدي
وعن جدوى أن تكون قارئا أشار كه يلان محمد إلى رأي دونالين ميلر التي تعتقد بأن القراءة تجبرك على أن تكون هادئا في عالم لم يعد يسمح بذلك، كما ذكر ما قاله الجاحظ بأن القراءة عقل غيرك تضيفه إلى عقلك. ومن المؤكد أن القراءة تتبعها حزمة من الأسئلة حول ما يجب أن يقرأ؟ هل من الضروري قراءة كل ما هو بالمتناول من الكتب؟ ماذا عن محدودية الزمن وما تأمل أن تجد له متسعا لقراءته؟
تستشف أطياف كل هذه الأسئلة في فصول مؤلف نعيم بن محمد الفارسي، وفي ذات اللقاء أدارت العضو بنادي المدى سيماف خالد حوارا مع ضيف الجلسة كه يلان محمد على ضوء تلك التساؤلات الهامة المثيرة للنقاش حول فعل القراءة. المفارقة في عصرنا تصاعد المؤلفات والفعاليات حول أهمية القراءة بالتزامن مع الشكوى من العزوف عن القراءة
تحدث محمد بداية عن الرابط بين القراءة وصنعة العظماء، وقال “قبل الإجابة على هذا السؤال أقول بأنني لا أعتقد بوجود هدف مسبق من القراءة، وليس الغرض من مصاحبة الكتب سوى اكتشاف عالم يتمثل في الآراء والأفكار التي ربما تزيدنا ريبة بما هو سائد ومتداول.”
وأضاف “نعم كل الأسماء والشخصيات التي يفرد لهم المؤلف فصول كتابه هم من مشاهير الفكر والأدب والعلم بدءا من الجاحظ مرورا بأديسون وأنور السادات وتوفيق الحكيم ومي زيادة وسلامة موسى كلهم قد تركوا بصمة على خارطة الفكر وإلى الآن هم ملهمون ليس فقط بما قرأوه أو كتبوه بل من خلال سيرتهم وانشقاقهم عن السائد، فمثلا لو استجاب توفيق الحكيم للشكليات لربما أكمل دراسته في مجال الحقوق وصرف النظر عن المسرح والأدب، وبالتالي كان الوسط الثقافي يخسر رائدا في كتابة المسرح الذهني. فعلا القراءة تصبح عاملا للنبوغ الإبداعي والفكري، لكن ذلك كما لاحظته في متابعتك لسيرة العظماء يتطلب مراسا وابتعادا من نفس وظيفي.”
وحول التحديات التي تواجه القراءة وكيف يمكن التغلب عليها؟ قال محمد “الاستمرارية هي التحدي الأبرز بالنسبة إلى القارئ؟، لأن القراءة ذهاب نحو المجهول ويغامر الإنسان بمصاحبة الكتب وليس في ذهنه أيّ تصور مسبق حول ما يقود إليه الطريق. إضافة إلى ذلك فإن ما يتصدر المشهد أو ما يصطلح عليه بالمؤثرين هم أشخاص لا يكون للكتب إلا دور ثانوي في يومياتهم. وبالتالي ما يكون في الصف الأول ليس علي حسين ولا لطفية الدليمي ولا علي حرب ولا العقاد بل وجوه تتقمص دور الوعاظ في جبة الحداثة.”